تحية من دنفر لأمانة مدينة الرياض

أنا في دنفر- كلورادو الأمريكية هذه الأيام لإنجاز بعض الأعمال, وحيث فارق التوقيت كبير بينها وبين الرياض فقد بت أنام باكرا وأصحو باكرا عند الساعة الرابعة فجرا, وقبل أن ينبلج النور أي في حدود الساعة 6:30 أخرج من الفندق الذي أسكنه وسط المدينة لرياضة المشي. الحياة لا تدب حقيقة في وسط المدينة إلا بعد أن تشرق الشمس في حدود السابعة صباحاً, وأنا أسير خلال تلك الشوارع الرصيفة والنظيفة وأتمتع بجمال الفن المعماري الذي تبديه تلك المباني و الساحات أستذكر وسط مدينة الرياض, فتنكسر نفسي.
يقول لي أحد من أتعامل معهم في دنفر, وهو يقطن المدينة منذ 26 عاما, إن وسط دنفر قبل 20 سنة سجل أعلى معدل جريمة قتل على مستوى الولايات المتحدة, وإن وسط المدينة يتحول إلى مدينة أشباح بعد الخامسة مساء, وقليل من المباني فيها يسر الناظرين, فالكتابات الجرافية كانت تملأ الشوارع وتلطخ واجهات المباني والشوارع والأرصفة سيئة الصيانة, وبعد أن وصل حال وسط المدينة إلى ذلك السوء, حدث للبلدية انتفاضة ووضعت خطة على مدى عشر سنوات لتأهيل وسط المدينة, حيث عملت على وضع بنية تحتية مثالية, فتمديدات الكهرباء والهاتف والألياف البصرية والمياه والمجاري في وسط المدينة هي الأفضل على مستوى الولاية, ثم وضعت تنظيما لوسط المدينة من الناحية المعمارية ففرضت رسوما باهظة على المباني المهجورة وغرامات على المباني سيئة الصيانة وشجعت بناء المباني المخصصة لوقوف السيارات, بل إنها وضعت تنظيما بحيث يتناسب ما يفرض تخصيصه من مواقف للسيارات بعدد أدوار المبنى, فكلما كان المبنى أكثر أدوارا أصبح نسبة المخصص من مواقف سيارات أقل, وذلك تشجيعا على بناء أدوار أكثر, كذلك قامت البلدية ولتنشيط ريادة وسط المدينة بخفض ضرائب المطاعم وأماكن الترفيه, وحدد شارع رقم 16 كشارع مخصص للمشاة ورصف بطريقة فريدة, ووضع على جانبي الشارع مسار لحافلة مخصصة لنقل المشاة بين نهايتي الشارع مجاناً. ويسترسل صاحبي في مدح مدينته ويقول إن دنفر مع أنها ليست بين المدن الكبرى في أمريكا إلا أنها أكثر المدن نشاطاً معماريا في وسط المدينة, وهذا واضح, فكثير من المباني الشامخة ما زالت قيد الإنشاء.
عندما كنت أسير في وسط دنفر كنت أتذكر حال وسط الرياض, فمع الجهد الكبير الذي قامت به الأمانة بتحسين الأرصفة والممرات والشوارع ما زالت واجهات المباني كئيبة وسيئة التنفيذ وبعضها مقرف بصورة بشعة, ثم هناك اللوحات الإرشادية الخاصة بتعليمات المرور والبلدية ولوحات المحال واللوحات الإعلانية كلها تتضافر في رسم لوحة فوضوية من الألوان والأشكال, فسوء تنفيذها أبلغ من حالتها, ثم تأتي السيارات التي تصر على إكمال منظر الفوضى العارم فكل يقف حسبما يلائمه, أحدهم بالطول وآخر بالعرض وأكثرهم يعتلي الرصيف, ومن لا يجد موقفا قريبا من حاجته لا يجد غضاضة في الوقوف خلف آخر. هذا هو الواقع الذي تعيشه أكثر مناطق الرياض التسوقية, فالعليا ليست أفضل حظا من البطحاء, ومن يريد الإثبات يذهب إلى منطقة حراج الكمبيوتر.
إن أمانة مدينة الرياض تعمل بجد ولديها مشاريع تحسين في أرجاء المدينة كافة ولديها ميزانيات كبيرة تعتمد عليها في إنجاز مشاريعها, ولكن يبقى هناك جانب مهم في التحسين يتعلق بنشاط الناس الساكنين وملاك العقار, فكثير من ملاك العقار التجاري على وجه الخصوص وعلى الرغم من عدم وجود ضرائب أو رسوم تفرض عليهم, كثير منهم يهمل صيانة عقاره, أو أن عقاره مضت عليه عشرات السنين دون تحديث لمظهره, ناهيك عن وجود كثير من العقارات وسط الرياض إما مهجورة بالكامل وإما مهجورة جزئياً بحيث لا يستغل منها سوى محل أو دكان على الشارع وباقي المبنى متهالك كخرابة. لذا لا بد للأمانة أن تنظر في وضع تنظيم يلزم أصحاب تلك العقارات إما بتحديث مظهرها وإما إزالتها وإنشاء مبان جديدة مكانها. هذا الأمر لن يكون سهلاً من الناحية الإجرائية والتنفيذية ولكنه الحل الأمثل لضمان تفاعل ملاك العقارات, وقد يستلزم التفكير في مثل هذه الحلول اجتهادا قانونيا وشرعيا.
إن السلوكيات العامة لمعظم سكان الرياض الذين يرتادون وسط المدينة أو مراكز النشاطات التجارية غير مراعية مقتضيات التنظيم الحضاري, فكل منهم يصارع بصورة فوضوية ليحصل على أفضل موقف قريب من حاجته ولو اقتضى ذلك مخالفة مرورية أو تعديا على أملاك عامة أو خاصة, وكثير من أصحاب المصالح يخالف مقتضيات تنظيمية وأمنية وصحية في صورة إهمال لأبسط قواعد الذوق العام. في مقال سابق اقترحت وضع شرطة للبلدية تنظم عملية وقوف السيارات في الشوارع والساحات, وكذلك تراقب تنفيذ تعليمات البلدية وحال الشوارع من حيث صلاحيتها للمرور أو حسن تنظيم لوحاتها الإرشادية, وتراقب وتجازي بغرامات المخالفين من سائقي السيارات ومقاولي البناء والطرق والمحال التي تسيء إلى المظهر العام بتشتيت مخلفاتها وقمامتها, هذه الشرطة ستفرض النظام بالصورة المطلوبة وستوجد في أكثر الأماكن احتياجا, وإذا توافرت وكانت منضبطة بصورة جيدة فسنرى خلال فترة وجيزة تنظيما في الرياض يضعها على طريق التحسين الشامل, فالوضع الحالي للرياض محبط لجهود المخلصين من رجال الأمانة.
من دنفر أبعث تحية لأمانة مدينة الرياض وأضمها بمشاعر التشجيع والتمني أن تكون مدينتنا الرياض أجدر بأن نتذكرها بمزيد من الشوق عندما نكون في مدينة مثل دنفر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي