كرسي أبحاث البطالة وفرص العمل
يوجد العشرات من كراسي الأبحاث العلمية المتخصصة في تخصصات كثيرة في معظم الجامعات السعودية (في جامعة الملك سعود فقط أكثر من 70 كرسيا للبحوث العلمية) مثل تخصص الكهرباء، الماء، الاتصالات، الإسكان وتخصصات نظرية وأخرى إنسانية وطبية تركز على أمراض معينة وزراعية متخصصة في مجال معين مثل كرسي لأبحاث النخلة والعسل والنحل الذي يراوح تمويلها في الغالب بين خمسة وعشرة ملايين ريال خلال أربع سنوات تقريبا.
وهناك أيضا كراسي علمية أخرى مهمة بدعم سعودي في عدد من العواصم العربية والأوروبية - منها على سبيل المثال - كرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية في جامعة لندن، وكرسي الأمير سلطان للدراسات الإسلامية والعربية في جامعة بركلي في كاليفورنيا في الولايات المتحدة، وكرسي الأمير نايف لتعليم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة موسكو.
ولا شك أن هذه توجهات علمية جيدة ومفيدة للمجتمع وللإنسانية، وتعد وقفا علميا يستفيد منها الجميع ومأجور ـ بإذن الله ـ كل من يبادر ويتبنى مثل هذه المراكز أو الكراسي البحثية.
والسؤال المطروح الآن هو: أين كرسي الأبحاث المخصص لعنصر العمل الوطني في السعودية الذي يركز أبحاثه ودراساته لخلق فرص العمل أو توطينها والتي يتفرع منها - على سبيل المثال- مشكلة البطالة والتستر والمتاجرة بفرص العمل؟ وهي فقط إحدى مشكلات عنصر العمل الوطني أو تبني استراتيجيات اقتصادية جديدة للموارد البشرية الوطنية غير تلك التي كانت وما زالت تستخدم خلال الـ 30 عاما الماضية وثبت عدم فعاليتها، ولا شك أن هذا التوجه والطرح لمنهجية جديدة مطلوب ومهم جدا وكاف لتأسيس كرسي أبحاث البطالة التي سيعود نفعها على الموارد البشرية الوطنية بصفة عامة وبالأخص منهم العاطلين والعاطلات.
لقد أكدت وزارة العمل أكثر من مرة – في سياق الحديث عن البطالة - ''أنها تسعى لتوظيف من لا يرغب في الوظيفة عند من لا يرغب في توظيفه'' وهذا الأنين المتكرر من الوزارة يمكن أن يفهم منه أنه الوصول إلى طريق مسدود في الصراع مع سياسة الإحلال وما يتبعها من برامج للسعودة وفي الوقت نفسه هذا الأنين المتكرر هو نداء عاجل للجامعات لتبني منهجية واستراتيجيات جديدة لمعالجة المشكلة أو المشكلات المتعلقة بالموارد البشرية الوطنية. وبدرجة ثقة عالية يمكن القول أن الخطوة الأولى – والتي لا تحتمل التأخير - في خريطة الطريق العملية لمعالجة البطالة في سوق العمل السعودي هي إنشاء كرسي أبحاث البطالة.
لقد سبق أن صرح وزير العمل أن ''مشكلة البطالة مشكلة معقدة وعويصة ولا توجد لها حلول سهلة أو أحادية الجانب ولا بد من تشخيص أسبابها تشخيصاً علمياً حتى يمكن أن تتم معالجتها بأسلوب علمي يعتمد على حقائق علمية وتفكير منهجي''، ومن المعلوم أن وزارة العمل ليست جهة أكاديمية أو بحثية وتحت إشرافها صندوق الموارد البشرية الذي من أهم أهدافه دعم البحوث العلمية المتعلقة بالموارد البشرية الوطنية والذي تزيد إيراداته السنوية على مليار ريال، ولذا نجزم أن الوزارة لن تتأخر في تخصيص دعم سنوي لهذا الكرسي العلمي الذي يخصص للموارد البشرية الوطنية وخاصة العاطلين والعاطلات منهم والذين هم أولى أوليات وزارة العمل.
إذا لماذا يتأخر إنشاء مثل هذا الكرسي وجامعاتنا على أتم الاستعداد للعمل وتكريس جهودها وقدراتها البحثية لموضوع البطالة ؟ بل إنني على ثقة تامة أن الدعم المالي متوافر ومتاح سواء من الجهات الحكومية مثل وزارة العمل أو من القطاع الخاص، كما لا يختلف اثنان على وجود المشكلة أو المشكلات مع إمكانية الحلول وأهميتها وبإنشاء كرسي أبحاث البطالة نبني شراكة استراتيجية بين الجهات البحثية (الجامعات) والجهات الحكومية والقطاع الخاص لتأسيس هذا الكرسي الذي من المنتظر أن يقدم جديدا في موضوع السعودة قريبا - بمشيئة الله تعالى.
عدم وجود معلومات دقيقة عن سوق العمل السعودية
كيف يمكن اتخاذ قرارات صحيحة والمعلومات المتوافرة والمتاحة حاليا غير دقيقة أو غير متكاملة بل إن آلية التنفيذ والمتابعة ستكون بكل تأكيد صعبة أو مستحيلة، ففي الغالب أن أي قرار يبنى على معلومات غير صحيحة سيكون خطأ، لذا تراجعت وزارة العمل عن كثير من القرارات والسبب عدم وجود آلية تنفيذ ومتابعة منبثقة من نظام معلومات إلكتروني حصري متكامل عن سوق العمل.
على سبيل المثال – الذي يؤكد أن الأرقام والإحصائيات والمعلومات المتاحة حاليا لا تساعد ولا تخدم في اتخاذ القرار الصحيح - عند تحليل الإحصائيات والأرقام الرسمية المعلنة عن البطالة النسائية عام 1428هـ ومقارنتها بعام 1429هـ نستعين بالجدول التالي الذي يوضح أن عدد العاطلات السعوديات قد انخفض بمقدار 19.198 مقارنة بالعام الذي قبله وهذا لا شك إيجابي ويعني للقارئ تلقائيا أن الوظائف المتاحة للنساء وفرص العمل وعدد العاملات حتما قد ارتفع، حيث إن انخفاض حجم البطالة النسائية يعني ضمنا أن كل الداخلات الجديدات لسوق العمل (المتخرجات من الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية والتدريبية الحكومية والأهلية الأخرى...) قد توظفن بالفعل هذا إضافة إلى توظيف عدد آخر بحجم الانخفاض في عدد البطالة النسائية وهو 19.198 ولكن الغريب في هذه الإحصائيات الصادرة من مصلحة الإحصاء العامة أن عدد العاملات لم يرتفع – حسب الإحصائيات الرسمية المعلنة- بل قد انخفض أيضا بمقدار 10.696 مقارنة بالعام الذي قبله (مجموع انخفاض العاطلات والعاملات الإناث السعوديات 29.894) وهو ما يمثل انخفاض قوة العمل النسائية بل أيضا أين عدد النساء في قوة العمل اللاتي يمثلن الزيادة السنوية الطبيعية في عدد النساء الداخلات الجديدات في سوق العمل وهي لا شك أكثر من 50 ألف من الإناث بكل التحفظات.
(قوة العمل النسائية) لعامي 1428 هـ و1429هـ من غير الداخلات الجدد في سوق العمل السعودية
إن النتيجة المنطقية المؤكدة من هذه الإحصائيات الرسمية أن متخذ القرار يفقد المعلومة الدقيقة عن سوق العمل ومن هذا المنطلق كيف يمكن أن نخطط أو نتخذ قرارات مبنية على معلومات غير صحية.
ومشكلة عدم دقة أو صحة وتكامل المعلومات نفسها تتكرر عندما تحسب مصلحة الإحصاءات العامة البطالة النسائية في السعودية وتخرج أكثر من ثلاثة ملايين امرأة خارج حسابات البطالة أي خارج قوة العمل بحجة أنهن ربات بيوت وهذا يعني أن هناك أربع نساء من كل خمس سعوديات يفضلن العمل المنزلي كربات بيوت فقط ولا يرغبن الخروج من المنزل بهدف العمل وقد قمنا في العام الماضي بدراسة استطلاعية في منطقة القصيم توصلت لعكس هذه النتيجة (أي أن أربع نساء من كل خمس يرغبن في العمل خارج المنزل)، وهذا المثال عن النقص أو التعارض أو التناقض الواضح بين المعلومات أو الإحصائيات المتاحة حاليا عن سوق العمل والواقع الفعلي المختلف يؤكد الحاجة لفكرة سوق العمل الإلكتروني لتوفير المعلومة المؤكدة والحصرية كحل لمشكلة نقص المعلومات الصحيحة والدقيقة عن سوق العمل لتكون هي الخطوة الأولى والبداية الحقيقية لمعالجة علمية ومنهجية وصحيحة لمشكلات سوق العمل السعودي مثل البطالة أو التستر أو السعودة الوهمية أو غيرها.
سوق العمل الإلكتروني «قواعد بيانات متكاملة لقوة العمل الوطنية»
يمكن لكرسي الأبحاث المتخصص بعنصر الموارد البشرية الوطنية أن يتبنى فكرة سوق العمل الإلكتروني الحصري لتوفير المعلومات الدقيقة والمؤكدة – على سبيل المثال - عن حجم البطالة ونوعها ومكانها وتفاصيل أخرى كثيرة تهم متخذ القرار عند معالجة البطالة، ويجب التأكيد أن هذه الفكرة ليست مجرد موقع إلكتروني على الإنترنت أو مجموعة أجهزة حواسيب آلية لجمع عرض وطلب العمل وليست أيضا تجميع تطوعي أو اختياري من قبل جزء من سوق العمل الكلي كما هو موجود فعليا في بعض الحالات لكثير من الاجتهادات ''موقع وزارة العمل''.
باختصار شديد يشمل سوق العمل الإلكتروني كل المواطنين والمواطنات فوق سن 15 ويحدد هذا السوق من هم داخل قوة العمل ومن هم خارجها وأسبابها وهل هذه الصفة دائمة أم مؤقتة وسجل لمتابعة الخروج والدخول من وإلى قوة العمل وأسبابها بطريقة آلية إلكترونية.
وبمعنى آخر لا يستطيع أي مواطن أو مواطنة التقدم لأي وظيفة حكومية معينة دون أن يكون قد تقدم لهذا السوق المقترح وعرض عمله أولاً من ذكر أو أنثى وبعدها يتم التحقق من الشهادات والمؤهلات – منها طرق آلية مثل الربط مع الجامعات وأخرى يدوية مثل المقابلات - ويدخل بعدها عارض العمل ''المواطن أو المواطنة'' السجل الوظيفي التاريخي الموثق، والمنطق نفسه ينطبق على موظف القطاع الخاص، وقد يكون هذا المشروع الطموح جزءا مهما من الحكومة الإلكترونية والتي خصصت له الدولة ثلاثة مليارات ريال قبل ثلاث سنوات.
سيكون أهم إنجاز لمركز الأبحاث أو كرسي الأبحاث المخصص لعنصر العمل الوطني هو دراسة الجوانب الفنية وآلية الربط الإلكترونية بين الجهات الحكومية المختلفة ونوعية الاتصالات المستخدمة وطريقة تنفيذ وتجميع وتحليل وتوثيق كل المعلومات المتعلقة بأهم عنصر إنتاجي أو مورد وطني وهو عنصر العمل منذ سن 15 ومتابعة الدخول والخروج إلى ومن قوة العمل وأسبابها.
ومن المتوقع أن يشرع كرسي أبحاث البطالة في دراسة استراتيجيات اقتصادية جديدة تختلف عن سياسة الإحلال المتبعة خلال الـ 30 عاما الماضية مثل استراتيجية ربط عنصر الموارد البشرية الوطنية بالاقتصاد الكلي وتقديم برامج وحلول عملية متكاملة لتوطين الوظائف مبنية على هذه الاستراتيجية الجديدة (تأخذ في الحسبان ليس فقط عنصر العمل بل أيضا وبدرجة الأهمية نفسها العناصر الأخرى مثل المستثمر والمستهلك والجدوى الاقتصادية من وجهة نظر الاقتصاد الكلي على المدى الطويل) بعد إعداد البحوث والدراسات وتوثيق الخطوات وتأصيلها علميا من الجوانب الاقتصادية والجوانب التطبيقية العملية.