المساكن والسلع

تتنوع السلع وتتوافر في الأسواق بأشكال مختلفة، ومواصفات متنوعة، ومزايا متعددة، وأسعار متفاوتة، ويدعم هذا التنوع حركة النشاط التجاري ويعمل على ازدهارها؛ لذا فلا غرابة أن تزخر الأسواق بالكثير من الأجهزة والأدوات والآلات المتماثلة في وظائفها الأساسية، والمختلفة في مواصفاتها وخصائصها الإضافية، والمتفاوتة في أسعارها، وهو ما يفتح المجال لجميع المستهلكين على اختلاف إمكانياتهم المالية للحصول عليها، واقتنائها، واستخدامها والانتفاع بها - على أكمل وجه - في الغرض الأساسي الذي أنتجت من أجله، فالأسرة التي ترغب في شراء سيارة جديدة - على سبيل المثال – تجد تنوعاً كبيراً وخيارات متعددة من السيارات الجديدة، بمواصفات متنوعة، وبأسعار متفاوتة، تلبي الرغبات المختلفة للمشترين وضمن حدود إمكانياتهم المالية. فالكل تقريباً يستطيع أن يجد في سوق السيارات الجديدة سيارة تؤدي وظيفتها الأساسية بوصفها وسيلة للتنقل، تقل الأسرة في مشاويرها ورحلاتها اليومية، وبأسعار في متناول الجميع تقريباً، فأسعار السيارات الجديدة تبدأ من العشرين إلى الثلاثين ألف ريال، وتزداد صعوداً لتصل إلى مئات الألوف من الريالات لبعض الموديلات من السيارات.
وقس عليها بقية السلع من الأدوات والأجهزة المنزلية والشخصية (مثل: التلفزيونات، والكمبيوترات، والجوالات، وغيرها).
وكما أن المساكن تُعرض كذلك في السوق للبيع أو للإيجار مثل بقية السلع فإن الراغب في الحصول على مسكن يصطدم بواقع محدودية البدائل المعروضة، وهو ما يجعله يقف حائراً مذهولاً، ماذا عساه أن يفعل لتوفير مسكن لأسرته، ونماذج المساكن المعروضة في السوق قد لا توافق رغباته، وذات أسعار تفوق غالباً إمكانياته المالية؟ فالسوق لا يوفر إلا ثلاثة أنواع فقط من المساكن (هي: الفيلات، والدوبلكسات، والشقق)، وإن كانت الشقق هي النموذج الأقرب إلى الإمكانيات المالية للكثير من الأسر، لكن سوء تصميمها، وطريق تجميعها في مبنى واحد - مع سلبياته المصاحبة - يجعل نسبة من الأسر لا ترغب فيها وتحجم عن امتلاكها.
ويرجع السبب في محدودية نماذج الوحدات السكنية المعروضة في سوق الإسكان إلى عدة أسباب، أولها: مرتبط بما يمكن أن نسميه «ثقافة المسكن»، أو المفاهيم التي تكونت لدى أفراد المجتمع عن المسكن خلال العقود القليلة الماضية، وظهور معان جديدة على السطح، تجعل المسكن أحد أهم رموز التعبير عن الوجاهة الاجتماعية، وتتطلب معالجة هذا السبب التوعية المكثفة بأن المسكن مطلب وظيفي لاحتياجات الأسرة المعيشية قبل أن يكون رمزاً للوجاهة. أما السبب الثاني: فقد يعود إلى جمود اشتراطات وأنظمة بناء المساكن، وكونها صيغت لتنتج نماذج محددة من المساكن، وثالثها: راجع إلى تقاعس المهندسين المعماريين عن تقديم أفكار مبتكرة لمساكن توافق متطلبات الأسرة السعودية وتكون متنوعة في الخصائص والأحجام والمساحات، وأما السبب الأخير: فيعود إلى استهداف المطورين لطبقة اقتصادية من طبقات المجتمع ذات الدخل المرتفع والمتوسط المرتفع، بنماذج كبيرة من الوحدات السكنية المألوفة لدى المجتمع، والموافقة لتصوراتهم. وبهذا الخصوص يجب أن لا نغفل أن المساكن لا يمكن استيرادها مثل بقية السلع، ونظراً لارتفاع تكاليف تقديم نماذج أو بدائل جديدة في سوق قد لا يرحب بها، ولا تجد الإقبال الكافي عليها؛ فإن ذلك يجعل المطورين يحجمون عن المخاطرة ببناء ما لا يضمنون بيعه بربحية. ويعد استحداث وتطوير برامج حاسوبية تفاعلية تختبر اختيارات الناس ورغباتهم من مكونات المسكن وعناصره ونوعياتها ومساحاتها ضمن حدود إمكانياتهم المالية، وتمكينهم بعد ذلك من الاطلاع على المسكن الذي اختاروه مجسداً في أبعاده الثلاثية، والدوران حوله من الخارج، ودخوله والتجول فيه والاطلاع على عناصره ومكوناته الداخلية من خلال شاشة الكمبيوتر؛ كل ذلك يعد من الحلول التقنية التي ستمكن المطورين من معرفة رغبات الأسر وتحديدها قبل طرح أي منتجات إسكانية جديدة في السوق.
x

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي