ملتقى الطاقة العربي والفكر العربي النفطي (2 من 2)

بمناسبة عقد ملتقى الطاقة العربي في بيروت يوم 24 أيلول (سبتمبر) الماضي أوضح مقال الأسبوع الفائت الحاجة إلى تبني فكر عربي نفطي يتم من خلاله التعامل مع الفكر الغربي وتصحيح مفاهيمه الخاطئة, وتربية الأجيال العربية على مفاهيم عامة تتعلق بالموقف العربي من أمور النفط العالمية. وقد ذكر المقال أن الغرب تمكن خلال الـ 30 سنة الماضية من تكوين وتأصيل وتأطير فكر نفطي معاد للعرب وبشكل منهجي وأكاديمي يتمثل في الكم الهائل من المقالات والكتب والمواقف السياسية والسياسات الاقتصادية واستراتيجيات الطاقة, إضافة إلى قدرته على خلق تعابير وجمل وكلمات التصقت بهذا الفكر وأصبحت جزءاً منه.
أسئلة تحتاج إلى أجوبة
كانت فكرة مقال الأسبوع الماضية عامة، إلا أن مقال اليوم يركز على بعض الأفكار التي يجب دراستها لاستطلاع ملامح هذا الفكر العربي النفطي. وفيما يلي بعض الأسئلة التي أود طرحها على أعضاء الملتقى وغيرهم عسى أن تكون المحرك الأساسي في بناء الفكر العربي النفطي. إجابات هذه الأسئلة تشكل نواة بعض النظريات المكونة للفكر العربي النفطي. وأرجو من المهتمين قراءة نهاية هذا المقال قبل محاولة الإجابة عن أي من هذه الأسئلة.
1- هل نفط العرب للعرب؟ أم أنه مصدر إنساني للطاقة موجود في بلاد العرب؟
2- ما مفهوم تكلفة النفط, هل يشمل هذا تكلفة رأس المال وتكلفة عمليات الاستخراج, أم أنه يشمل سعر النفط كمصدر ناضب؟ وهل ينظر لهذه التكلفة من وجهة نظر اجتماعية أم من وجهة نظر فردية؟ وهل يحق للدولة المالكة للنفط أن تعتبر الريع من ضمن التكلفة؟ كيف؟ ولماذا؟ وهل سيكون ضمن تكلفة التشغيل؟ أم التكاليف الكلية؟
3- ما السعر العادل للنفط؟ هل هو السعر السائد في السوق؟ وهل يعبر هذا عن التكلفة بالمفهوم المحاسبي أم بالمفهوم الاجتماعي؟ وهل هو عادل من وجهة نظر المنتج؟ أم من وجهة نظر المنتج والمستهلك معاً؟
4- ما موقف الفكر العربي من السوق الحرة للنفط؟ وما موقفه من منظمة أوبك التي ترغب في إدارة أسواق النفط؟ وما موقفه من وكالة الطاقة الدولية؟
5- ما الأصول الفكرية التي تسوغ سيطرة الحكومات على احتياطيات النفط؟ هل الحكومة في هذه الحالة وكيلة عن الأمة؟ هل النفط العربي للأجيال الحالية أم أنه للأجيال المستقبلية أيضاً؟ وإذا كان للأجيال المستقبلية نصيب, ما مستوى الإنتاج العادل حتى يتم ضمان نصيب الأجيال المستقبلية؟ بعبارة أخرى، هل هناك بعد اجتماعي لمستويات الإنتاج إضافة إلى الأبعاد الاقتصادية والمالية والسياسية؟
6- ما موقف الفكر العربي من استثمار الشركات الأجنبية في قطاع النفط العربي؟ وما موقفه من تخصيص أو تأميم القطاع النفطي؟ وما الشروط التي تحكم ذلك؟ وما أفضل طريقة لإرساء العقود على الشركات الأجنبية؟ هل يتم ذلك عن طريق المناقصة؟ أم عن طريق التأجير, أم عن طريق البيع, أم عن طريق المشاركة؟ وما الريع العادل الذي يجب أن تحصل عليه الدول النفطية؟ وكيف يتم تحديد هذا الريع؟
7- هل الدول العربية ملزمة بزيادة طاقتها الإنتاجية لتلبية احتياجات الغرب من النفط؟ متى؟ ولماذا؟ وتحت أي شروط؟ بعبارة أخرى، ما المسوغات السياسية والاقتصادية التي تجعل هذه الدول تزيد طاقتها الإنتاجية؟
8- هل تلتزم دول الخليج بالحفاظ على طاقة إنتاجية فائضة؟ لماذا؟ ومن سيدفع تكاليف هذه الطاقة الإنتاجية؟ ما المسوغات السياسية والاقتصادية التي تجعل هذه الدول تحتفظ بطاقة إنتاجية فائضة؟
9- ما تعريف الفكر العربي للاحتكار النفطي؟ ومتى تعتبر مؤسسة أو منظمة ما محتكرة؟ وهل يجب فرض عقوبات على المحتكر؟
10- ما تعريف الفكر العربي للإغراق؟ وهل يمكن للدول العربية اتخاذ سياسات معينة لمحاربة الإغراق؟ وهل ينطبق هذا على النفط؟
11- هل علينا استخراج ما نستطيعه الآن وتحويل هذا النفط إلى صناعات أخرى تضمن دخلاً للأجيال المستقبلية؟ وهل علينا تنويع مصادر الدخل وتهميش النفط، أم التركيز على النفط وجعل العواصم العربية عواصم الطاقة في العالم التي تصدّر تكنولوجيا وخبرات الطاقة إلى العالم؟
12- ما موقف العرب من مصادر الطاقة البديلة, خاصة المنافسة للنفط؟ وهل يعد التطور التكنولوجي خطراً في هذا الحالة, أم أنه خطوة إيجابية طالما أنها تسهم في تطور الإنسانية؟
13- ما موقف الفكر العربي النفطي من حماية البيئة, خاصة من الآثار الناتجة عن احتراق النفط؟ وهل يرتبط هذا المفهوم بقياس التكلفة والعائد, أم أن مفهوم حماية البيئة أمر يتعلق بالمبادئ ولا يمكن المساومة عليه؟ وما موقف الفكر العربي من انسياب النفط من المنصات البحرية وحاملات النفط ومن المسؤول عن تحمل تكاليف عمليات التنظيف والتعويض؟ وهل يخضع هذا الأمر للقوانين الدولية أم القوانين المحلية؟
14- ما موقف الفكر العربي من معاناة الدول الفقيرة من عجز في ميزانيتها وتدهور في دخلها نتيجة ارتفاع أسعار النفط؟ هل تقوم الدول النفطية بتقديم المساعدات المالية أو النفطية؟ وهل تعطى هذه المساعدات على أساس إنساني أو سياسي أو ديني أو عرقي؟ بعبارة أخرى، هل هناك فرق بين مساعدة الدول الفقيرة بشكل عام، ومساعدة الدول المتأثرة سلبياً بارتفاع أسعار النفط بشكل خاص؟ لماذا؟
15- ما موقف الفكر العربي من تدمير الحقول النفطية في حالة الحرب في أي دولة نفطية في العالم؟ وأؤكد هنا على كلمة «العالم».
16- هل يمكن استخدام النفط كسلاح؟ أين ومتى؟ وهل يمكن استخدامه كوسيلة ضغط؟ وما شروط استخدامه؟ وما العلاقة بين النفط والسياسة في هذه الحالة, أم أنه سلعة عادية لها أهمية خاصة؟
إن ما سبق هو غيض من فيض, ولكنها أسئلة يجب الإجابة عنها حتى تتكون لدينا بعض النظريات اللازمة لبناء الفكر العربي النفطي. إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا تتمثل في «أنا أعتقد» و»في رأيي أنا» و»علينا أن نقوم بكذا» و»قال فلان كذا», وإنما تتمثل في الأعمال الفكرية والأكاديمية والنظريات العلمية والنماذج الرياضية والإحصائية التي ستخضع لنقاش طويل على مدار السنوات القادمة. إن عملية تكوين أساسيات هذا الفكر ستستغرق سنوات طويلة, بينما قد تستغرق عملية بناء الفكر نفسه عدة عقود من الزمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي