الغرف التجارية .. و«العيال كبرت»
65 سنة مضت منذ إنشاء أول غرفة تجارية في السعودية بأمر من الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، وكانت بداية مرحلة طويلة وصعبة توالت فيها إنشاء الغرف السعودية، ومن ثم إنشاء مجلس الغرف السعودية التجارية الصناعية في الرياض. ولا أحد ينكر دور الغرف السعودية في خدمة المملكة والمشاركة في التنمية داخليا ودوليا، وبلغ التنافس أشده بين الغرف الرئيسة الثلاث، جدة, الرياض, والشرقية، ولكنه تنافس مكمل بعضه بعضا للوصول إلى أفضل الأساليب للمشاركة مع الجهات الحكومية في خدمة قطاع الأعمال وفي خدمة الدولة وخدمة التجار والصناع والقطاعات الأخرى والمستهلك.
وأنتهز هذه الفرصة لأدعو بالرحمة لكل من عمل بجد وإخلاص من رجال فقدناهم أو ما زالوا أحياء عملوا ليل نهار وقاسوا ما قاسوا على حساب أعمالهم وصحتهم في سبيل إشراك القطاع الخاص في القرارات الحكومية الخاصة بالقطاع الخاص، والقائمة طويلة لا يمكنني حصرها وأتركها لمجلس الغرف عسى أن يصدر كتيبا يؤرخ فيه القرارات الحكومية العديدة التي شارك فيها رجال الأعمال سواء في دراستها أو صياغتها أو مناقشتها وطلب التعديل عليها قبل أن تقع الفأس في الرأس.
ومهما ذكرنا من مجهودات قام بها رجال الأعمال فإن كل ذلك لم يكن ممكنا لولا ثقة ملوك هذا الوطن برجالهم ومواطنيهم، وأتذكر على سبيل المثال كيف كان الوزراء والخبراء يرفضون فكرة إلغاء التأمينات الاجتماعية على العامل الأجنبي ولسنوات عديدة، ولكن اتخذ الملك فهد - طيب الله ثراه - قراره الصائب متجاوبا مع طلبات القطاع الخاص، ولا أنسى تلك الليلة التي أعلن فيها الملك فهد - طيب الله ثراه - قراره بالإلغاء وكيف أثلج صدورنا وطرنا من الفرحة, مؤكدا لنا، مثل جميع إخوته، أن أبوابهم وقلوبهم مفتوحة لأي قرار فيه مصلحة للوطن، فرحم الله ملوكنا السابقين وأمد في عمر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني، حفظهم الله وإخوتهم وأبناءهم من كل سوء.
وتعيش المملكة اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين نهضة مباركة يزرع فيها بذور تنمية مستدامة بمشاركة القطاع الخاص ولا يمكنني حصرها ولكن من أهمها تطوير القضاء وإصدار القرارات الضرورية لأمن واستقرار وتنمية هذا الوطن ومنها الدعم المتواصل للصناعة والصادرات السعودية والمدن الصناعية ومشاريع الجبيل وينبع والجامعات الجديدة ومعاهد التدريب والصرف عليها بما يلزم، وتطوير التعليم وابتعاث الآلاف من أبناء الوطن وبناته وتطوير القطاع الصحي والتأمين وصناديق التسليف وحرية الكلمة والحوار الوطني ومساعدة الفقراء .. والقائمة طويلة ويعلمها كل مواطن، وما زال الصناعيون يطالبون بإعادة وزارة الصناعة لهم، فجزى الله خادم الحرمين الشريفين عنا خير الجزاء.
ولا أنسى مشاركة الأمير سلطان بن عبد العزيز رجال الأعمال في كثير من مؤتمرات رجال الأعمال في الرياض، وكذلك زيارته الغرفة التجارية الصناعية في مبناها الحالي (الجديد) وعديد من اجتماعاته في مكتبه وقصره مع رجال الأعمال أبناء هذا الوطن لبحث جميع المشكلات والعوائق التي تواجههم وعمله على تذليلها وحلها, فحفظ الله سموه لنا.
وأكثر ما شاركت فيه فهو اجتماعات ولقاءات الأمير نايف بن عبد العزيز ، النائب الثاني وزير الداخلية، وإنني من المعجبين بأسلوبه وصراحته وشفافيته، ولو سألته خمسة أسئلة فإن لديه الموهبة للرد عليها بالترتيب وبكل دقة، ومن مميزاته أن يفضل سماع المشكلات والعوائق ومرفق معها الحلول المقترحة لدراستها واتخاذ القرارات اللازمة لها. وأسفت جدا لعدم وجودي في المملكة عندما زار سموه بيت التجارة في جدة في أوائل شهر رمضان، وكم أسفت لعدم حضوري تلك الليلة والمشاركة فيها.
ولا يمكنني أن أنسى قرارين من قرارات عديدة لسموه، لا يمكن أن أذكرها في هذا الحيز الضيق، وهما قراره السماح للأجانب المخالفين لنظام الإقامة بتصحيح أوضاعهم، وأتمنى على سموه أن يكرر ذلك مرة أخرى لما فيه من خدمة لجميع المواطنين وتصحيح أوضاع مئات الألوف من المخالفين، ولكن بعد دراسة من المختصين ورجال الأعمال كما عودنا سموه, وأيضا قراره عندما كان رئيسا لمجلس القوى العاملة بتبني إنشاء صندوق تنمية الموارد البشرية ونرى ما يقوم به وسيقوم به هذا الصندوق في مساعدة الشباب على التدريب والتوظيف، وأيضا توجد مجالات عديدة يمكن لهذا الصندوق أن يقوم بها لينجح ويشارك في تنمية الشباب والشابات بوتيرة أسرع. ومن أولويات النائب الثاني توظيف المواطنين الشباب.
ولا أنسى جُهد أمراء المناطق وعلى رأسهم الأمير سلمان بن عبد العزيز والأمير خالد الفيصل والأمير محمد بن فهد وغيرهم ومشاركتهم رجال الأعمال في كثير من اللقاءات والمؤتمرات وتجاوبهم مع جميع مشكلاتهم، لذلك ما أريد أن أؤكده هو أن الغرف التجارية الصناعية ومجلس الغرف وجميع رجال الأعمال لم ينجحوا دون التأييد المطلق من ولاة أمورنا ومشاركتهم في اتخاذ القرارات السليمة لخدمة الوطن ومنها تعديل الأنظمة أو إصدار الجديد منها وإنشاء الصناديق المالية التي تساعد القطاعات المختلفة على التنمية المستدامة. وأيضا علينا ألا ننسى مشاركة معظم الوزراء حسب قدراتهم وعلى رأسهم محمد أبا الخيل والدكتور غازي القصيبي وزير الصناعة السابق ووزير العمل، والدكتور سليمان السليم الذي أوصل العلاقة بين الغرف ووزارة التجارة إلى قمتها وغيرهم من الوزراء والقائمة طويلة، ولكن عسى أن نذكرهم في مناسبات قادمة.
فإذا نظرنا إلى الـ 65 سنة الماضية نرى أن الغرف ورجال الأعمال ترعرعوا واكتسبوا الخبرة تحت حضانة الدولة ورعايتها, وما تقوم به الغرف اليوم أضعافا مضاعفة عما كانت تقوم به قبل 30 أو 40 سنة مضت، لذلك نرى أن ''العيال كبرت'' وأصبحت الغرف ناضجة، وكذلك أعضاء مجالس إداراتها أو معظمهم، ومن هنا لا أرى أن تكون الغرف السعودية خاتما في أصابع وزارة التجارة والصناعة ولكن بالتأكيد تكون شريكة معها وتحت رعايتها كما تعودنا في السابق، ولا يمكن أن نرجع إلى الوراء, خصوصا بعد أن انضممنا إلى منظمة التجارة العالمية وبعد إنشاء مجالس وجمعيات لحقوق الإنسان وحماية المستهلك والعنف الأسري وتنظيم وتطوير القضاء والسماح للمرأة بالمشاركة في قرارات عديدة ومنها إدارة ما تستطيع أن تديره حسب الأنظمة والقواعد الشرعية.
إن دخول أعضاء ليس لديهم الخبرة في العمل الجماعي ولم يجربوا العمل في اللجان المختلفة لغرفتهم ومداومتهم على المشاركة، جعل بعض مجالس الغرف الصغيرة في مشكلات لقلة الخبرة, هذه العضوية تكليف ومسؤولية وليست مصلحة وتفاخر ومجاملات.
إن وزير التجارة والصناعة من أسرة عريقة متنوعة النشاطات ومن كبار خبراء القطاع في الصناعة والتجارة ومنظمة التجارة العالمية ورئيس سابق لغرفة جدة ومجلس الغرف السعودية، وأعلم أنه يتقبل الحوار الهادف، فليسمح لي بأن أختلف معه في قراره الوزاري رقم 9188 وتاريخ 18 شعبان 1430هـ بخصوص تعديل المادة 32 من اللائحة التنفيذية لنظام الغرفة التجارية الصناعية ''لكل ناخب اختيار مرشح واحد من فئة التجار أو مرشح واحد عن فئة الصناع ...''.
إن الغرف التجارية ليست معامل اختبار، ففي الغرف الكبرى كنا ننتخب ستة تجار وستة صناع، ويختار وزير التجارة والصناعة ستة يعينهم بمعرفته, وغالبا كان الوزراء يتشاورون مع رؤساء الغرف المعنية لتعيين من لديه القدرة على المشاركة ... وأقترح عدة خيارات منها زيادة عدد الأعضاء في مجلس إدارة الغرف الكبيرة إلى 23 بإضافة خمسة مقاعد جديدة تخصص للمحامين والمحاسبين القانونيين والاستشاريين الاقتصاديين والمهندسين، ويكونون جميعا منتخبين من قبل منتسبي الغرفة المعنية أو من قبل قطاعاتهم أو يبقي معاليه على العدد كما هو، ويكونون جميعا منتخبين من قبل المنتسبين ولا يسمح للوزير بتعيين أي عضو. ولكن يبقى له الحق في الاعتراض على ترشيح أي عضو كما في النظام. هل يعقل أن الشركة التي تدفع وتساهم وتعمل تنتخب عضوا ووزارة التجارة والصناعة تعين ستة أعضاء! إننا تعودنا الحوار مع المسؤولين، مع أن البعض من رجال الأعمال فضلوا الانسحاب من عضوية مجالس إدارة الغرف حتى لا يؤثروا في أعمالهم أو يدخلوا في مواجهات لا حاجة إليهم بها، ولكن تعودت الأكثرية على أبواب ولاة الأمر المفتوحة ونرجو منهم التدخل في حالة إصرار الوزارة على هذا القرار لأنه خطوة لا تتناسب وحجم رجال الأعمال اليوم، وما تقدمه لهم الدولة من تكريم ودعم وما هو مطلوب منهم من مسؤولية ومشاركة في التنمية المستدامة.