السياسات الخضراء ليست كلها خضراء!
في ظل العداء للنفط الذي انتشر انتشار النار في الهشيم في السنوات الأخيرة، تبنت الدول المستهلكة سياسات تهدف إلى استبدال النفط بمصادر طاقة أخرى بهدف التقليل من الاعتماد على واردات النفط من جهة، وبهدف التخفيف من الأثر البيئي لاحتراق المشتقات النفطية، مدعين أن الطاقة المتجددة، خاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ''صديقة للبيئة'' لأن انبعاث غازات الاحتباس الحراري منها أقل من النفط. ولكن هذا الكلام مضلل للأسباب المذكورة أدناه. وكان مقال الأسبوع الماضي قد بين أن السيارات الكهربائية ليست خضراء كما يدعي البعض، لذلك لن يتم ذكر السيارات في مقال اليوم، إلا أنه لا بد من ذكر حقيقة إضافية وهي أن كمية الطاقة الموجودة في لتر من البنزين أكبر بكثير من كمية مكافئة تنتج الكهرباء لاستخدامها في السيارات الكهربائية وذلك لسببين، الأول أنه تتم خسارة الحرارة الناتجة عن الاحتراق في مولدات الكهرباء في أغلبية الأماكن، والآخر أنه تتم خسارة جزء كبير من الكهرباء أثناء نقلها.
1- الكهرباء المولدة من عنفات الرياح ومن شرائح الطاقة الشمسية لن تؤثر في استهلاك النفط لأن كمية الكهرباء المولدة من النفط في الدول المستهلكة قليلة جداً, فتوليد الكهرباء في هذه الدول يعتمد بشكل كبير على الفحم و الطاقة النووية والغاز، ويكفي هنا أن نذكر أن 3 في المائة فقط من الكهرباء المولدة في الولايات المتحدة تعتمد على النفط.
2- نظرا لأن الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية متقطعة بسبب عدم استمرارية الرياح، فإنه لا بد من استخدام مصادر أخرى لتغطية الطلب الأساسي على الكهرباء، لهذا فإن الطاقة المتجددة لن تحل المشكلة جذريا, كما يدعي البعض.
3- إن أي زيادة في استخدام الطاقة المتجددة لأهداف بيئية سيكون على حساب الفحم للسبب الذي ورد أعلاه في رقم 1. المشكلة أن كلا من طاقة الرياح والطاقة الشمسية تتطلب أراضي شاسعة، الأمر الذي يشكك في المنافع البيئية لهذه المشاريع. فقد أشارت واحدة من الدراسات إلى أنه لو تم إنتاج كل الكهرباء التي استهلكتها الولايات المتحدة في عام 2005 من طاقة الرياح، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى أرض تساوي مساحة ولاية تكساس مزروعة بالكامل بعنفات الرياح، وتعمل طوال الوقت دون توقف، وعادة ما يضرب المثل بـ ''تكساس'' عند الحديث عن ضخامة شيء ما.
4- مؤيدو الطاقة الهوائية يذكرون الأرقام المتعلقة بالمنافع البيئية بشكل مضلل حيث يذكرون الأرقام المتعلقة بإنتاج الكهرباء، ويتناسون الأضرار البيئية الناتجة عن إنتاج الحديد والصلب لبناء العنفات والأبراج، والأسمنت وغيره من المواد اللازمة لتثبيتها. الغريب في الأمر أن هذه العنفات تستخدم مواد من أكثر الصناعات استهلاكا للطاقة وهي الصلب والأسمنت. كما أن نقل قطع العنفات والأبراج يتطلب سفنا وشاحنات ضخمة تستخدم كلها الديزل المستخرج من النفط، وأرقام أنصار الطاقة الهوائية لا تتضمن الأضرار البيئية الناتجة عن حرق هذا الديزل.
5- تعد العنفات الهوائية المولدة للكهرباء خطرا على الطيور المهاجرة، التي منها بعض الأنواع المهددة بالانقراض، والتي يعاقب القانون في بعض الدول على قتلها. أضف إلى ذلك فإن الحديث عن ''البيئة'' يتضمن ''الضجيج'' أيضا، وهذه العنفات تزيد الضجيج بشكل مزعج. وتشير دراسة نشرت في العام الماضي إلى أن الذبذبات الناتجة عن حركة العنفات، التي تنتقل عبر البرج إلى الأرض، تؤثر في النباتات والحيوانات المجاورة نتيجة الاهتزاز المستمر للأرض، والتي لا يشعر بها الإنسان ولكن يشعر بها الحيوان والنبات.
6- الطاقة المتجددة التي تؤثر مباشرة في حصة النفط من السوق هي الوقود الحيوي، وخاصة الإيثانول والديزل الحيوي. التوسع في استخدام الإيثانول يتطلب التوسع في زراعة قصب السكر، وهذا التوسع يتطلب إزالة الغابات، خاصة في منطقة الأمازون. هذه الغابات هي رئة الأرض التي تسهم بشكل كبير في امتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون.
7- المواد المستخدمة مع الديزل الحيوي تسهم في تلويث المياه الجوفية إذا تسربت من الخزانات في محطات البنزين.
8- يقول مؤيدو الوقود الحيوي إنه أفضل للبيئة من المشتقات النفطية بسبب احتراقها النظيف، إلا أن الأرقام التي يوردونها غير صحيحة لأنها تركز على عملية الاحتراق فقط ولا تشمل عملية الإنتاج، التي تشمل زراعة قصب السكر والذرة، التي تتطلب كميات هائلة من الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية التي تنتج عن إنتاجها كميات كبيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. إضافة إلى ذلك، فإن الأرقام التي يذكرونها لا تتضمن الانبعاثات الناتجة عن حرق الديزل نتيجة نقل الذرة في شاحنات ضخمة من الحقول إلى مصانع الإيثانول، وفي الصهاريج الناقلة للإيثانول من المصانع إلى أماكن مزجه مع البنزين.
9- الأرقام التي يوردها مؤيدو الوقود الحيوي لا تتضمن التلوث الناتج عن إنتاج الوقود الحيوي، وإنما تتضمن التلوث الناتج عن احتراقه فقط. مثلا، ينتج عن إنتاج الإيثانول غازات تسهم في زيادة الاحتباس الحراري منها غاز أكسيد الكربون والميثانول والأستيك أسيد.
10- يتفق الجميع على أن من أندر الموارد على وجه الأرض الآن هو الماء الصالح للشرب. من هذا المنطلق يعد الحفاظ على الماء متطلبا رئيسا من متطلبات الحفاظ على البيئة. ويتطلب إنتاج كل لتر من الإيثانول أربعة لترات من الماء. ولكن لو حسبنا دورة الإيثانول منذ بداية زراعة الذرة، فإن الرقم يرتفع إلى 11 لترا، علما بأن بعض الدراسات ذكرت أرقاما أعلى من ذلك بكثير. وهنا لا بد من ذكر حقيقة أخرى وهي أن إنتاج لتر واحد من الإيثانول يتطلب زراعة 13 كيلو من الذرة.
خلاصة الأمر إن تصميم سياسة طاقة مستدامة يتطلب أن يكون صانعو القرار صادقين مع أنفسهم قبل أن يكونوا صادقين مع غيرهم، لأن السياسات المبنية على التضليل لن تؤدي إلا إلى مزيد من أزمات الطاقة ومزيد من التلوث.