الاستدامة البيئية للأحياء السكنية (1 من 2)

تتميز المملكة العربية السعودية بطبيعتها الصحراوية الهشَّة وذات الموارد المحدودة، التي استوعبت فيما مضى مستوطنات وتجمعات بشرية بسيطة في اتزان بيئي بديع؛ بين ما توفره من موارد وإمكانات، وبين احتياجات السكان وأنشطتهم الحياتية. ولكن في العقود الماضية أصبح أغلبية سكان المملكة من الحضر بعدما كانت الأغلبية من سكان البادية والريف. وبهذا تغير أسلوب حياة السكان وأصبحت أكثر رفاهية واستهلاكية من ذي قبل، وكبرت المساكن واتسعت مناطق الأحياء السكنية، وازدادت رحلات التنقل بالمركبات، فزاد استهلاك الناس للطاقة الكهربائية والمياه، وارتفعت كذلك معدلات إنتاجهم من النفايات والمخلفات وما يصاحبها من تلوث.
ولتحقيق مفهوم الاستدامة البيئية للأحياء السكنية، ودعم التكامل البيئي بين بيئتها الطبيعية وبيئتها المبنية؛ يلزم العناية بتحقيق التوازن البيئي عند تصميم الأحياء الإسكانية وتخطيطها؛ فالتوسع في إقامة الأحياء السكنية على حساب تدمير تضاريس الأرض، ومن دون التفاعل مع تكويناتها الطبوغرافية؛ يؤدي إلى تدهور التوازن البيئي، ففي كل وقت تعمل فيه أجهزة الحفر والبناء على وجه الأرض ينتج عنها سلسلة من ردود الفعل المخربة؛ لأن تضاريس الأرض وتكويناتها الطبوغرافية في المناطق الصحراوية تشكل نظاماً بيئياً متكاملاً؛ فمثلاً: تُعدُّ الوديان بمنزلة قنوات طبيعية لنقل المياه وتصريفها، وعند تغيير بعض العناصر الأساسية في هذا النظام – مثل: ردم أفرع الوادي بغرض التطوير العمراني - فإن هذا التأثير والخلل ينتقل إلى باقي عناصر الوادي وموارده الثمينة فيختل النظام بأكمله وعندها تظهر المشكلات وتتزايد في بيئة المنطقة الطبيعية والعمرانية على حد سواء؛ لذا يلزم تجنب إقامة الأحياء السكنية على حوافّ الوديان وعلى الشعاب الفرعية والمسايل والروافد الصغيرة الأخرى بعد ردمها؛ لحماية بيئة الوديان وعدم التأثير سلباً في مقوماتها والتقليل من دورها الأساسي والحيوي بوصفها مصرفاً طبيعياً للمياه السطحية ومصدراً رئيساً للزراعة.
كما أن تطوير الأحياء السكنية وتخطيطها وتصميمها على أساس أنها مستوية وذات منسوب ثابت دون أدنى اعتبار لطبوغرافية الأرض وإهمال التفاعل مع تكويناتها وتضاريسها الطبيعية؛ يؤدي إلى ظهور سلسلة من التأثيرات السلبية. وينبغي عند تصميم الأحياء السكنية الحفاظ على الهيكل العام لسريان المياه الطبيعي في المنطقة وتدفقه؛ فتقسيمات الأراضي السكنية والمناطق المفتوحة وتخطيط شبكة الشوارع وشبكة صرف مياه الأمطار والصرف الصحي؛ يجب أن تتطابق مع التكوين الطبيعي لتسرُّب المياه في المنطقة لدعم التكامل البيئي؛ لأنه عند إعاقة قنوات صرف المياه الطبيعية أو مجاريها أو التشويش على أي جزء منها؛ فإنه يصعب بعد ذلك السيطرة وضبط الاتزان الطبيعي لها؛ خصوصاً عند مصبّاتها أو في الأراضي المجاورة لها، وهو ما يؤدي إلى ظهور حالات سيئة من تجمّع مياه الأمطار في بعض الأحياء تصل إلى حد الكوارث.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي