توزيع الزكوات: بعثرة وجهود مشتتة والفقراء على وضعهم!

لفت انتباهي، وربما انتباه غيري، من القراء، ما نشرته صحيفة "الحياة" بتاريخ 27 شعبان الماضي وفحواه "أن المدير العام للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام في منطقة مكة المكرمة، صالح الغامدي، شكا من تعامل رجال الأعمال في المنطقة مع الجمعية، وعدم اهتمامهم بدعمها ماديا ومعنويا، مشيدا في الوقت ذاته، بالجهود والدعم القوي الذي تحظى به من رجال أعمال منطقتي الرياض والشرقية، وقال إن دور رجال أعمال المنطقة معدوم كلية، رغم وجوب أن يكونوا أول المتعاونين، وأن الموازنة المتوافرة حاليا التي قدمها رجال أعمال خارج المنطقة لا تكفي إلا لفترة مؤقتة".
وقد دافع رجل الأعمال حسين شبكشي بقوله "إن رجال الأعمال متواصلون مع جميع الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تعنى بجميع شرائح المجتمع، ومن الممكن أن تكون المؤسسة لم توضح وتظهر على السطح للتعريف بأنشطتها وبرامجها في الميدان"، والتعليق الذي يتبادر إلى الذهن حول كلام السيد الشبكشي هو كيف عرف رجال الأعمال خارج المنطقة عن المؤسسة وأمدوها بدعمهم لو كان السبب هو ما يذكره من تقصير المؤسسة في التعريف بنفسها، وإذا كانت المؤسسة حاصلة على الترخيص بمزاولة أنشطتها فهل يلزمها الاستجداء أمام كل رجل أعمال؟! أم أن الواجب أن يسعى رجل الأعمال إلى البحث عن مصارف الزكاة الحقيقية، ولا سيما الجمعيات، وهذا لا يحتاج إلى جهد كبير، فمثل هذه المعلومات متوافرة لدى الجهة المرخصة وهي وزارة الشؤون الاجتماعية!..
وحتى لا يوجه لوم آخر إلى رجال الأعمال في منطقة مكة المكرمة أو غيرها، فإن الواجب أن يكون للغرف التجارية الصناعية، وهي الرابطة التي تجمع رجال الأعمال وتمثلهم وترعى شؤونهم، دور ملموس في حثهم على توزيع زكواتهم بعدل، وتوفير المعلومات الكافية لهم عن الجمعيات والمؤسسات المستحقة، بل إن دور الغرف ينبغي أن يمتد إلى التنسيق بينها وبين رجال الأعمال لمعرفة كيف يوجهون زكاتهم، حتى لا تحرم منها جهة مستحقة، أو تحظى جهة بنصيب أكثر من غيرها لمجرد أن وسائل الاتصال لديها قوية وإعلاناتها تتوزع في كل مكان!.. إن واجب الغرفة التجارية في أي منطقة هو توفير معلومات كاملة عن الجمعيات الحاضنة للمحتاجين وتوفيرها لدافعي الزكاة من منسوبيها للاستعانة بها في توجيه زكواتهم!..
ولأن الكلام ذو شجون، ويتداعى تلقائيا عند الحديث عن الزكاة وأعمال البر، خاصة في هذا الشهر الكريم، ولا يخلو، أي كلام، من شعور بالمرارة لتشتت الجهود وخضوعها للعشوائية والاجتهادات الفردية، فإنني سأحاول تركيز شجوني بلسان المحتاجين في الأسطر التالية:
1 – إذا كانت مؤسسة خيرية في مكة المكرمة تشكو من عدم وصول أي مبلغ من الزكاة إليها، وهي قريبة من منابع الزكاة، فكيف هي الحال بالجمعيات في المحافظات والمراكز في مناطق أخرى مثل الجنوبية والشمالية، وحتى مكة المكرمة، التي يشكو القائمون عليها من العوز، وأنها لا تملك ما تمد به مواطنين يعيشون دون المستوى اللائق، فكيف يحدث هذا ورجل الأعمال في مكة، على سبيل المثال، يستطيع أن يودع ما يريد في حساب أي جمعية وهو جالس في مكانه، وإن ما نشرته صحيفة "الرياض" أخيرا بتاريخ 14 رمضان عن حالة مواطنين يعيشون في الصنادق والكهوف في قرى ومراكز محافظة الليث، ولا يجدون ما يفطرون عليه سوى الدقيق وحليب الأغنام، لهو أقرب مثل على تجاهل دافعي الزكاة للمستحقين الفعليين!..
2 – المشاهد أن إخراج الزكاة في المملكة، بما فيها زكاة عروض التجارة، لا يتم بالمقدار الشرعي، فضلا عن أن المزكي لا يجتهد أحيانا في إيصالها إلى أكثر الناس حاجة، ومع أن الدولة تحرص على إيصال الزكاة التي تجبيها لمستحقيها وهم منسوبو الضمان الاجتماعي، إلا أن معظم التجار والأثرياء لا يدفع زكاته للدولة خوفا من اختلاطها بالمال العام، رغم تأكيد الدولة بتوجيهها مباشرة للمستحقين، ورغم معرفتهم بأن الدولة أقدر بإمكاناتها والوسائل التي تتبعها على معرفة المحتاجين، ومع ذلك، ورغم ذلك، يفضل كثير من التجار إخراج زكاته بنفسه اجتهادا، أو بحثا عن الشهرة، بإضفاء صفة التبرع عليها، أو طلبا للحظوة لدى جماعته وأقاربه، في حين يعلم هو يقينا أنه يوجد في المحافظات والمراكز من هم أكثر حاجة لها، وأعظم أجرا له!..
3 – الملاحظ أن بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية تحظى بنصيب أكثر من غيرها من الزكاة، وهو ما يعود إلى شهرتها وقدرتها على إيصال معلومات عن دورها وبرامجها للناس، ولكنه في أحيان أخرى يعتمد على نفوذ القائمين عليها، وقدرتهم على الاتصال والتأثير، وبعض دافعي الزكاة، في هذه الحالة، ربما يدفعونها مجاملة، في حين أن الواجب على دافع الزكاة أن يتحرى المصداقية في توجيه زكاته دون أي تأثير من أحد، أما الحالات التي يمكن أن يتأثر في دفعها بمعرفة أو مكانة اجتماعية، فتكون تبرعا من ماله خارج الزكاة!..
4 – إن من الشائع في المملكة أن الزكاة لا تدفع بالمقدار المحدد شرعا، كما أسلفت، وأنه لو دفعت كما يفترض، وتولت جبايتها وتوزيعها جهة محايدة، قادرة على إيصالها لمستحقيها لما بقي في المملكة فقير، لكن المشكلة تكمن في البعثرة والتشتت وترك الأمر للاجتهاد، ورغم المحاولات التي جرت لتنظيمه بتكوين جهة أهلية محايدة يشارك في إدارتها والإشراف عليها دافعو الزكاة أنفسهم، إلا أن الأمر ظل على حاله التي نراها اليوم، ومن المؤسف أن دولا تأتي دون المملكة، مكانة وثروة، استطاعت تكوين مؤسسات أهلية قادرة على جباية الزكاة وصرفها في مصارفها!..
5 – الإخوة الذين يجتهدون في مد السرادقات والموائد في أكثر الأحياء رقيا في المدن، خلال شهر رمضان لتفطير الصائمين، إذا كانوا يصرفون على تلك الموائد من زكاتهم، فإن هناك طرقا أمثل وأكثر ثوابا من إخراجها في شكل موائد يقذف بجزء كبير منها في أوعية المخلفات، وذلك بأن يحرصوا على إيصالها إلى الفقراء من المواطنين، لأن أكثر من يجلس على موائد الإفطار تلك هم من العمالة والسائقين الذين يتكفل كفلاؤهم بإعاشتهم، وإذا كانوا يقصدون بها التبرع والصدقة فإن الأولى أن يتحروا عن المستحقين من المواطنين في المناطق النائية، ويوصلونها إليهم طعاما أو نقودا.
إن ما وصل إليه الأمر في هذا الجانب، من تباه ومبالغة وصلت إلى حد إقامة بوفيهات مفتوحة بأصناف الأطعمة التي تؤخذ رغبة المداومين عليها في اختيارها (صحيفة الحياة 14/9/1430هـ)، فهو أمر يستدعي التأمل والمراجعة، وإعادة النظر فيما يجري تحريا للثواب والأجر.
وفق الله من يريد فعل الخير إلى تحري الصواب في إيصاله إلى مستحقيه الأكثر حاجة إليه، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي