Author

مؤسسات التفكير Think - Tanks

|
(القانون الثاني عشر من قوانين البناء المعرفي) كنا في لقاء «الاقتصادية» الدوري لتنشيط مفاصل الفكر في العالم العربي، وكان الاجتماع يضم النخبة، وتحدث رجل علم فاضل عن مستقبل الخليج والعالم العربي في نصف القرن القادم، وهو نفس البحث الذي كتبه محمد الرميحي الكاتب الكويتي ورئيس تحرير مجلة العربي الكويتية الأسبق، وكانت محاضر الجلسة مغممة في عمومها بضباب التشاؤم. وهذا البحث سبق فيه باول كيندي قبل أن ندخل القرن الحادي والعشرين بعنوان الاستعداد للقرن الحادي والعشرين؟ وفي ألمانيا أسسوا معاهد دلفي لقراءة المستقبل. وفي سويسرا بنوا المشافي في الجبال استعدادا ليوم الشؤم الأعظم واندلاع حرب نووية، وفي الصين بنى ماوتسي دونج مدينة تحت بكين بمساحة 85 ألف كم مربع تتسع لـ 300 ألف من الأنام، استعدادا ليوم الفصل النووي الأعظم وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين. وفي أمريكا بنوا في جبل شيان في كولورادو نفقا باسم نوراد يتحمل هجوما نوويا مباشرا ويمسح السماء كل يوم. لقد حاول المعهد العالمي للفكر الإسلامي قفزة من هذا النوع على يد إسماعيل الفاروقي، وكذلك اقترح أبو شقة مجمعة خبراء علم الاجتماع، ومن جملة ما أشجع عليه مشروع الجينوم القرآني؛ فأقترحه على كل مقتدر، لتطوير هذا المشروع في إخراج تفسير قرآني عصري بالصوت والصورة، واعتماد أدوات العلوم الإنسانية المساعدة، فلا يمكن فتح جمجمة مريض بأدوات فرعونية جراحية، وهذا المشروع بدأ به الألمان فسبقونا، ورصدوا له ملايين اليورو، وشكلت له لجنتان واحدة للمعلومات، في كل ما يتعلق بالقرآن على شكل بنك معلومات، والأخرى في تحليل وفرز المعلومات، بالطبع دون أي تابو. وشاهدي في كلامي هذا الالتفات إلى بناء مراكز تجميع وحصر للإبداع كما هو الحال في مدينة الملك عبد العزيز للتقنية والعلوم وهو ما فعلته فرنسا في معهد باستور، وبريطانيا في المعهد الملكي، وألمانيا في معهد القيصر غليوم أو مراكز ماكس بلانك المنوعة. وحاليا تنشئ مراكز مستقلة في أمريكا لهذا اللون من التفكير. وموضوع الجينوم القرآني استحوذ على تفكيري جدا وحدثت فيه كثيرين وأن يكون هذا المشروع المبارك من إنتاج مراكز التفكير هذه. وكما فعل العلماء بفك الجينوم البشري في لوس آلاموس، كذلك يعكف حاليا فريقان من العلماء الألمان على فك الجينوم القرآني. كان الجينوم البشري لفك الكود الوراثي الراقد كاللوح المحفوظ في بطن كل نواة خلية، كذلك الجينوم القرآني راقد لوحا محفوظا في نصوص تتلى للضمير إلى قيام الساعة. يتمتع الجينوم البشري بثبات مذهل خلاف الميتوكوندريا في السيتوبلاسما، كذلك النص القرآني يتعالى على قول البشر بنظم خاص فليس هو بشعر ولا نثر بل قرآن عربي غير ذي عوج. يحوي الجينوم البشري العضوي ثلاثة مليارات حمض نووي مترابطة على شكل جسر ملفوف صعودا، ويتكون الكود القرآني من 114 سورة و6200 آية في 18 جزءا مكيا و12 جزءا مدنيا، نزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل على مكث تنزيلا، ونفهم ذلك الآن حين نرى أقراص الليزر ونقل المعلومات عبر القارات بكبسة زر. وكما فتح مشروع الجينوم البشري الطريق إلى فهم الإنسان، كذلك فإن مشروعا من هذا القبيل ينتظره العالم الإسلامي كوصفة خلاص نفسية اجتماعية للجنس البشري. ومشروع الجينوم القرآني يبدأ حاليا من أرض الجرمان بمشروع سموه (مشروع الماموت Mammutproject) نسبة للفيل العملاق المنقرض، بدأته عالمة ألمانية مستشرقة هي (انجيليكا نويفيرث Angelika Neuwirth) بميزانية مليوني يورو ولفترة سوف تمتد ثماني عشرة سنة. سوف يقوم الفريق الأول بوضع (بنك معلومات Databank) لكل ما يتعلق بالقرآن، والآخر في تحليل العمل الأول، ما يشبه دراسة التشريح والفيزيولوجيا في الطب، وما يلحقه مع علم النسج والتشريح المرضي، في محاولة فهم الجو الديني والحقبة التاريخية التي عاصرت انبعاث الإسلام، في محاولة إعادة تصنيعها للاقتراب من فهم أفضل للنص القرآني.
إنشرها