«أوبك» وتوقعاتها: «على نفسها جنت براقش»

في عام 1976، كانت الطاقة الإنتاجية في دول "أوبك" نحو 38.4 مليون برميل يوميا. ثم انخفضت بعد ذلك بشكل مستمر حتى وصلت إلى أدنى مستوى لها في عام 1992، حيث بلغت 29 مليون برميل يوميا. وارتفعت بعد ذلك بشكل مستمر حتى وصلت إلى 37 مليون برميل في الوقت الحالي. باختصار، رغم إنفاق مئات المليارات من الدولارات، طاقة "أوبك" الإنتاجية ما زالت أقل من المستوى الذي كانت عليه في عام 1976. وأغلب الزيادة في الإنتاج في السنوات الأخيرة جاءت من دول انضمت إلى أوبك حديثا مثل أنجولا، ومن العراق بسبب تحسن الوضع الأمني في المناطق النفطية، ومن السعودية بسبب الاستثمارات الضخمة في مشاريع جديدة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المقصود هنا إجمالي الطاقة الإنتاجية من النفط، حيث يشمل النفط الخام والمكثفات والسوائل الأخرى. وكما يعلم الجميع فإن أغلب المشاريع الجديدة انتهت أو شارفت على الانتهاء، وليس هناك خططاً لمشاريع جبارة في أي من دول "أوبك" خلال السنوات الخمس المقبلة. في ظل هذه المعلومات، لماذا تتوقع "أوبك" أنها ستقوم برفع إنتاجها بمقدار 12 مليون برميل من النفط الخام خلال العقدين المقبلين؟ ولماذا تتوقع أنه في حالة نمو كبير في الاقتصاد العالمي فإنها ستنتج نحو 17 مليون إضافية فوق طاقتها الإنتاجية الحالية بحلول عام 2030؟ هل لدى "أوبك"، أي دليل على أنها ستقوم بإنتاج هذه الكميات؟
وتزداد الأمور تعقيدا إذا نظرنا إلى معدلات النضوب: بناء على أرقام "أوبك" فإن متوسط معدلات النضوب تبلغ 3 في المائة في السنة (وهو أمر لا يتفق عليه الخبراء حيث يرى البعض أن معدلات النضوب أعلى من ذلك)، وبفرض أن إنتاج النفط الخام كان 31 مليون برميل في عام 2008، فإن معدلات النضوب ستخفض الإنتاج بمقدار 15 مليون برميل يوميا. هذا يعني أن على "أوبك" أن تأتي بكميات جديدة من النفط قدرها 27 مليون برميل يوميا (15 لمقابلة معدلات النضوب و 12 لمقابلة الطلب المتزايد على النفط). بعبارة أخرى، على "أوبك" أن تأتي بكميات جديدة بمعدل 1.3 مليون برميل يوميا كل سنة خلال 22 سنة المقبلة، وهو أمر مستحيل. فإذا كان هذا مستحيلا، فماذا عن حالة النمو العالي، والتي تتوقع فيها "أوبك" أن تأتي بكميات جديدة قدرها 32 مليون برميل يوميا؟ (15 لمقابلة معدلات النضوب و17 لمقابلة النمو في الطلب).

مشكلة أوبك
في الوقت الذي يقول فيه مسؤولو "أوبك" إن منظمة أوبك ليست منظمة احتكارية، إلا أن أغلبهم لا يدرك أن النموذج الرياضي الذي تستخدمه "أوبك" في توقعاتها هو نموذج احتكاري يعرف في علم الاقتصاد بنموذج "احتكار القلة". ويبدو أن "أوبك" ورثت النموذج من المنظمات الأخرى مثل وكالة الطاقة الدولية وغيرها، أو أن خبراءها واستشارييها المتعلمين في الغرب ورثوا النموذج كما هو مما تعلموه في الجامعات الغربية. باختصار، إذا تمت محاكمة منظمة أوبك يوما ما في إحدى الدول الغربية فإن أقوى دليل على كونها منظمة احتكارية ليس اجتماعات "أوبك"، وليس قرارات تخفيض الإنتاج، وإنما النموذج الرياضي الذي تستخدمه "أوبك" في توقعاتها.
المشكلة في هذا النموذج، والذي تم التعليق عليه في مقال نشر منذ نحو أسبوعين، أنه يتوقع الطلب العالمي على النفط بناء على متغيرات عدة وفق طرق إحصائية معروفة، كما يتم أيضا توقع إنتاج دول خارج "أوبك" بناء على متغيرات معينة. بعد ذلك لا يتم تقدير إنتاج "أوبك" بناء على متغيرات معينة كما تم تقدير إنتاج خارج "أوبك"، وإنما يفترض أن "أوبك" ستغطي الفرق بين الطلب العالمي على النفط وإنتاج خارج "أوبك". هذه الفرضية الأخيرة هي الأساس في نظرية "احتكار القلة" التي يحاول مسؤولو "أوبك" نفيها عن أنفسهم.
لقد ثبت خطأ هذا النموذج الرياضي نظريا وعمليا خلال 30 سنة الماضية، كما ثبت أن لـ "أوبك" سلوكها الخاص الذي لا يتلاءم مع الفرق المتوقع بين الطلب العالمي على النفط وما يمكن أن تنتجه دول خارج "أوبك"، وثبت أنه يمكن توقع سلوك "أوبك" بناء على متغيرات معينة بلا طريقة نفسها التي يتم فيها توقع سلوك دول خارج "أوبك". وإذا افترضنا أن توقعات "أوبك" للطلب على النفط صحيحة، فإن العالم مقدم على أزمة نفطية لا تحمد عقباها، لأنه لا يمكن لـ "أوبك" بأي شكل من أن تنتج ما تدعي أنه يمكنها إنتاجه. في هذه الحالة لا بد لأسعار النفط أن ترتفع بشكل كبير حتى يبدأ الطلب على النفط بالهبوط، ولن تستقر الأسعار إلا بعد أن ينزل الطلب على النفط إلى مستويات العرض. المثير في الأمر أن انخفاض الطلب سيأتي بسبب ارتفاع الأسعار، وارتفاع الأسعار سينتج عن عدم إنتاج "أوبك" لما تدعي أنها ستنتجه.
هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط سيصاحبه صراع كبير بين الدول المنتجة والمستهلكة، وقد لا يكون في صالح الدول المنتجة لأنه سيحطم من قيمة الدولار، وبالتالي العملات المرتبطة بالدولار، كما أنه سيرفع معدلات التضخم، وسيزيد فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء، خاصة في دول الخليج.
ماذا لو نجحت جي إم في إنتاج "فولت"
أعلنت شركة جنرال موتورز (جي إم) أخيرا أنها ستنتج سيارة "فولت"، والتي تسير بمعدل 230 ميلا لكل جالون من البنزين (نحو 90 كيلو مترا لكل لتر من البنزين). وعلى الرغم من المبالغة الكبيرة في الرقم، إلا أنه لا بد أنه يخيف المسؤولين في الدول المنتجة للنفط مجرد الحديث عنه، خاصة أن متوسط الاستهلاك الحالي هو عشر الرقم المذكور. ولنفترض أن شركة جي إم وغيرها بدأوا بإنتاج سيارات بهذا الشكل، ما مصير النفط؟. وما مصير الدول النفطية؟ كل ما علينا أن نتذكره هو ما يلي: المعقل الأخيرة للنفط هو قطاع المواصلات، ومتى ما تمت خسارة قطاع المواصلات، فإن أيام النفط ستكون معدودة. لقد خسر النفط قطاع الكهرباء في السبعينيات، وخسر أغلب القطاع الصناعي في الثمانينيات، ولم يبق له إلا قطاع المواصلات.
إذا نجحت "فولت" أو غيرها فإن السبب الرئيس هو العقول التي وراءها والجامعات والمدارس التي بنت تلك العقول. وبما أنه "لا يفل الحديد إلا الحديد" فإنه يمكن القول إنه "لا يفل العقول إلا العقول". إن مشكلة دول الخليج الرئيسة ليست نضوب النفط أو انخفاض أسعار، وإنما، مع الأسف، موارده البشرية التي تدهورت بسبب التدخل الحكومي الكبير خلال العقود الثلاثة الماضية.. في كل قطاعات الحياة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي