هل السياحة في منطقة الشفا تحقق الجودة؟

تمثل السياحة في أغلب بلدان العالم مصدراً أساسياً من مصادر الدخل القومي، بينما تعتبر السياحة في المملكة العربية السعودية من المصادر التنموية المستحدثة أخيرا، ولذا قامت الدولة - رعاها الله - بإنشاء هيئة فتية تحت قيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان ذي النظرة الطموحة والهمة العالية الدؤوبة، والذي يقوم بخطوات عملية وكبيرة في هذا الشأن وفق رؤى طموحة منطلقة من احتياجات وطنية وضوابط ومبادئ دينية، فبلادنا قد حباها الله بمعالم طبيعية في بعض مناطقها، وأسباب قدرية فريدة متمثلة في الحرمين الشريفين تجعل منها مجالاً خصباً للاستثمار السياحي الأمثل وتكوين منظومة سياحية بمواصفات عالمية وصناعة محلية تجعل منها أنموذجاً متميزاً.
ولذا فإن من الجهود الرئيسية التي يجب تحقيقها في السياحة في المملكة هي وضع نظم ومقاييس لضمان الجودة السياحية، والتي من المؤكد أن الهيئة العامة للسياحة تسعى إلى تحقيقها وتطبيقها، ويدل على هذا التوجه ما حققته من إنجاز فريد بحصولها على شهادة نظام إدارة الجودة.
ولاشك أن تحقيق الجودة في السياحة يعتبر عاملا رئيسيا لنجاح جهود السياحة في المملكة، فسياحة بلا جودة هي جهود وخدمات مبعثرة لن تؤدي إلى راحة السائحين واستمتاعهم بها، وتحقيق الأهداف التنموية لمجال السياحة الداخلية.
والجودة في السياحة هي كما عرفتها منظمة السياحة العالمية "نتائج لعملية تتضمن تلبية جميع احتياجات السائح ومتطلباته وتوقعاته المشروعة من المنتجات والخدمات بسعر مقبول، بحيث تكون مطابقة مع الشروط التعاقدية المتفق عليها ومحددات الجودة المشمولة بذلك، مثل السلامة، والأمن، والصحة والنظافة العامتين، وكذلك سهولة الوصول، والشفافية، والأصالة، وتجانس النشاط السياحي المعني مع بيئته البشرية والطبيعية".
ولتحقيق ذلك لا بد من وجود نظام رقابي صارم للتأكد من مدى الالتزام بالمواصفات والمعايير المحددة لمستويات الجودة المطلوبة، مع الأخذ في الاعتبار شكاوى السياح والمصطافين والتعامل السليم معها.
وأنا ولله الحمد كغيري من كثير من أبناء الوطن ممن يفضلون السياحة الداخلية في ربوع بلادنا العزيزة، والتي كانت وما زالت أيضاً رغبة بعض الأشقاء من دول الخليج. ومن أبرز المناطق التي أرتادها منطقة الشفا في محافظة الطائف، والتي حباها الله بمعالم طبيعية جبلية بكر، وأجواء جميلة في معظم أوقات العام. وعند زيارتي الأخيرة لها في الأسبوع الماضي قمت بتأمل وضع السياحة في هذه القرية الحالمة من خلال بعض زوايا الجودة ومعاييرها لعلي أجد ما يبرز هذا المفهوم لدى بلادنا الغالية.. فخرجت بعدد من التأملات التي قد تتوافق مع رأي القارئ العزيز أو المسؤول الكريم الحريص على كل ما يفيد في تحسين وتطوير السياحة في مناطق المملكة عموماً والشفا خصوصاً وهي كما يلي:
أولاً: المعالم الإيجابية
لا شك أن هنالك جهوداً كبيرة قد بُذلت خلال الأعوام الماضية لتحسين منطقة الشفا خاصةً والطائف إجمالاً سواء تحت إشراف محافظة الطائف وحدها أو بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة وأخواتها من الوزارات ذات الشأن، وهذه الجهود تذكر فتشكر، فهي كانت وما زالت سبباً مباشراً أو غير مباشر في استمرار عجلة السياحة. ومن أبرز هذه المعالم ما يلي:
1. المنجز الحضاري والمشروع المتميز الذي قامت به وزارة النقل، والمتمثل في إعادة إصلاح وتحسين طريق الكر - الهدا، والذي يمثل تحفة فنية تثلج صدر كل مَن مر به وسار عليه، والذي أصبح سبباً رئيساً وشرياناً نابضاً لتسهيل ودعم السياحة في المنطقة.
2. كثرة المتنزهات العامة والخاصة في المنطقة والتي تحقق شيئاً من التنوع المطلوب لدى المصطافين وأسرهم.
3. الخدمة الطبية الأولية الجيدة في الشفا المتمثلة في المركز الصحي، والذي أصبح في رأي كثير من المصطافين أنه قد حقق جزءا من متطلبات الجودة السياحية وهي سلامة وصحة المصطافين.
ثانياً: معالم سلبية تحتاج إلى جهود أكبر للتحسين
1. ما زالت تعيش الشفا على طبيعتها البكر وبساطتها التي لا تؤهلها لأن تواكب تطور المنظومة السياحية للمملكة ومتطلبات وتوقعات المصطافين المتجددة، خصوصا مع وجود المنافس الخارجي المؤهل.. إن هذا المستوى من التأخر والذي يصل في رأي البعض إلى حد التخلف يستلزم من الجهات المسؤولة إعادة النظر في تطوير وتحسين المستوى السياحي لها.
2. المستوى المتدني لأغلب بيوت ومباني منطقة الشفا، والتي تتسم بالشعبية والعشوائية التي لا يقبلها كثيرٌ من المصطافين. وعلى الرغم من شعبيتها إلا أن أسعار إيجار بعضها يوازي قيمة فنادق خمس نجوم في بعض البلدان السياحية!!.
3. على الرغم من الوجود المستمر لقوات الدفاع المدني واستعدادهم الجيد لإطفاء الحرائق بعد وقوعها! إلا أن المنطقة تفتقد لأبسط مسلمات السلامة، فتجد كثيرا من الآبار العميقة مفتوحة في مزارع الشفا لتكون مصائد أمام براءة الطفولة وعبثها المعتاد، وتجد مستوى التمديدات الكهربائية المتردية والمكشوفة لتمثل معلما من معالم الخطورة في المنطقة. أين التوعية الشاملة للمصطافين بشأن السلامة؟..ماذا لو حصل لا قدر الله فيضانات وسيول. وأين الخطط والبدائل للوقاية من المخاطر المتوقعة؟
4. افتقدت منطقة الشفا وغيرها من قرى الطائف للبرامج والمناشط السياحية الهادفة، والتي كانت تستقطب المصطافين مثل الملتقيات العلمية والمخيمات الدعوية والبرامج الثقافية، فلم نعد نرى شيئاً منها على الرغم من بساطتها وشعبيتها؟!.
5. الغلاء الذي يسيطر على إيجارات وسلع المنطقة والتي طالما اشتكى منها المصطافون خصوصاً مع المقارنات الخارجية.
6. يفتقد أهالي المنطقة والعاملون فيها لثقافة السياحة والتعامل مع المصطافين والسياح من التعامل الحسن والابتهاج بهم وتوفير البدائل والحرص التام على المساعدة والإسعاد لهم.
7. النقص الواضح في وجود دورات المياه في أماكن التنزٌّه والأودية المجاورة، وتكاثر الأوساخ والمخلفات من المصطافين وانعدام النظافة الدورية لها.
إن ما سبق من ملاحظات وسلبيات وغيرها يدل على أن مستوى السياحة في المنطقة ليس بالمستوى المؤمل ولا يرقى بحال من الأحوال إلى المنافسة مع السياحة في الخارج، ولذا فمنطقة الشفا وعموم الطائف بحاجة ماسة إلى نقلة استراتيجية حضارية شاملة حديثة لتغيير البنية التحتية وتأسيس المراكز الحضارية والأماكن الترفيهية المتنوعة التي تستقطب شتي شرائح المصطافين، وتأخذ بعين الاعتبار المحافظة على جمال الطبيعة وقيم المجتمع.
وإن التصريح الشجاع من رئيس اللجنة السياحية في الغرفة التجارية الصناعية في الطائف لصحيفة "عكاظ" الأستاذ لؤي قنيطة عن أن نسبة إشغال الشقق المفروشة والفنادق لم يتجاوز صيف هذا العام في الطائف نسبة 60 في المائة، وأن خسائر السياحة في الطائف أكثر من 80 مليون ريال لهو جرس إنذار ومؤشر واضح ينبغي أن تتعامل معه مختلف الجهات المسؤولة عن السياحة بجدية خصوصاً أن قنيطة قد أرجع ذلك إلى عدم وجود برامج سياحية فعالة وحقيقية في الطائف لصيف هذا العام، سوى سوق عكاظ التي كانت فترته قصيرة جدا، إضافة إلى غياب التنسيق العام بين جميع العاملين في القطاع السياحي في الطائف. وأضاف أن ما يقام حاليا في المحافظة اجتهادات فردية من أصحاب الحدائق والمتنزهات التي لا يتجاوز عددها 13 حديقة ترفيهية ومتنزها!!
لذا ينبغي أن تتوجه الجهود وتتكاتف إلى تحويل منطقة الشفا وعموم الطائف إلى منطقة سياحة دائمة طوال العام وليست مجرد منطقة اصطياف في وقت الصيف كما هو الحال الآن، فلماذا لا تتحول إلى منطقة جذب على مدار العام للحجاج والمعتمرين فتستفيد بلادنا الغالية من هذه الفرص الاستثمارية المستديمة، خصوصاً بالتنسيق مع وزارات الحج والداخلية والخارجية في هذا الشأن لتسهيل وتنسيق تنقلاتهم من تلك المناطق وإليها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي