الذهب ولعنة ميداس في الأسطورة اليونانية

يعتبر الناقدون للفكر الشيوعي أن خير ما خرج به كارل ماركس في كتابه رأس المال توضيحه فكرة (فائض القيمة) فقيمة أي سلعة تأتي من ساعات العمل المبذولة فيها، ولكن الرأسمالي يضيف سعراً إضافياَ عليها لا يرجع الى جيب المنتج بل جيب الرأسمالي المنتفخ، فيزداد الرأسمالي غنى على غناه، والعامل فقرا إلى فقره!
هذا الكلام كان واقعياً يومها، وكان العمال يومها في شر حال، ولكن الغرب تملص من هذا القدر الموجع بنشوء النقابات العمالية، وبروز قوتين جديدتين تتقاسمان النفوذ والمال في ضربة موفقة بدلاً من الإقطاع والكنيسة، هما قوتا الرأسماليين والعمال.
والذي حدث لاحقاً أن الماركسية قبضت على السلطة بيد من حديد؛ فحولت الدولة إلى جهاز استخبارات، والمواطن إلى نكرة، و(فائض القيمة) إلى التسلح، وأصبح الأغنياء الجدد هم كادر الحزب الشيوعي الفوقي، وأصبح كتاب (رأس المال) في ذمة التاريخ.
ومن استفاد فعلا من كتاب (رأس المال) وطموحات (الاشتراكية) الأنظمة الرأسمالية، العدو اللدود للشيوعية، في تناقض مذهل ومتحارجة تستدعي النظر؛ فأقحمت وطعَّمت نظامها بالضمانات الاشتراكية للطبقة المسحوقة من العمال والفقراء، وبذلك أوجدت صمام الأمان ضد الانفجارات الاجتماعية المروعة.
إذن العبرة ليست بالكلمات ولا الشعارات، ولكن بحقائق الأمور، ويعتبر القرآن ذلك (كلمات ما نزل الله بها من سلطان) أي أن الشعارات والدعايات المفرغة من معناها، تفتقد القوة والمصداقية والسلطان.
وأعظم مأساة في العالم العربي هي هذه المتحارجة، وهو التحدي الأعظم اقتصادياً ودولياً، في تحقيق الخبز والأمن للمواطن داخلياً، والانتصار في المواجهات المصيرية خارجياً.
ولا يشترط في هذا رفع راية أو علم أو شعار .. العبرة في الإنجاز والتحقيق والمصداقية .
تذكر الرواية أن غنياً جاء إلى المسيح كي يتبعه؛ فاقترح عليه عيسى عليه السلام أن يتنازل عن كل أمواله فيفرِّقها على الفقراء، كي يصبح جاهزاً لبدء المسيرة معه، وتقول الرواية إنه كان غنياً جداً؛ فظهرت الكراهية في وجهه، ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر؛ فالتفت عند ذلك المسيح إلى أصحابه يقول لهم : الحق أقول لكم لا يدخل ملكوت السموات غني حتى يدخل الجمل ثقب الإبرة.
وفي المقابلة التي جرت بين أبي سفيان وهرقل، في إحدى سفراته للتجارة في الشام، عندما استدعاه الأخير ليسأله عن نوعية الناس، التي تتبع الرسول محمداً (ص) أهم من الأغنياء أم الفقراء الضعفاء؟ ونحن نعرف أن تجار قريش كانوا أبعد الناس عن الدعوة وكل دعوة؛ فدعوتهم تجارتهم.
وباسم المسيح تم تدشين نظام (صكوك الغفران) فأصبحت الكراسي في الجنة تحجز بموجب (وصولات مالية) يعتلي فيها الأغنياء مقاعد (الأفق) في هذه الطائرة العجيبة المحلقة إلى جنة مضمونة ؟!
وينزل المواطنون العاديون إلى مقاعد الدرجة السياحية العادية، كل حسب دفعه وجيبه ودخله، فالفقراء الذين يعانون عذاب الدنيا الرهيب وضيقها وحرمانها وشظفها لاحظ لهم في الدنيا ولا في الآخرة؛ مما عجَّل بثورة مارتن لوثر وتفجر الإصلاح البروتستانتي، وذيولها من الحروب الدينية المدمرة.
والذي صمد حتى اليوم هو قانون (العرض والطلب) في السوق الذي انتبه له آدم سميث في النصف الثاني من القرن الثامن عشر كقانون حديدي، كما جاء في تعبير الاقتصادي البريطاني لاحقاً (ريكاردو) عن نظام الأجور، وأن السوق يصحح نفسه بآلية ذاتية من خلال العرض والطلب. كل المراهنة هي في (كم) تدخل الدولة لعدم احتكار وسوء توجيه هذه الآلية.
تذكر الأسطورة اليونانية أن ميداس كان عاشقا ولها للذهب والمال والثروة فطلب من ربه في دعاء حميم أن يحقق له أمنيته فاستجاب الرب وقال له: تمن ما تشاء وسيحقق لك فوراً؟!
كان ميداس يحب الذهب إلى درجة العبادة! فهتف دون ذرة تردد: أن يتحول كل ما أضع يدي عليه إلى إبريز خالص!
لم يعش (ميداس) أكثر من ثلاثة أيام، لأن الطعام والماء تحول إلى ذهب قاتل، فأينما لامست يده الأشياء تحولت إلى ذهب لامع رنان، وهكذا تحققت الدعوة والإجابة ولكن بطريقة مختلفة. يقول الرب ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي