كل رمضان ومعكم منظار
دعت المحكمة العليا إلى تحري رؤية هلال شهر رمضان المبارك مساء يوم (غد) الخميس الموافق 29 شعبان 1430هـ ليلة الجمعة الثلاثين من شهر شعبان 1430هـ ''حسب تقويم أم القرى'' الموافق 21 أغسطس 2009م، وذلك بناء على الأمر السامي البرقي رقم 6605 – ب وتاريخ 15/6/1430هـ، وجاء في البيان (ترجو المحكمة العليا ممن يراه بالعين المجردة أو بواسطة المناظير إبلاغ أقرب محكمة إليه وتسجيل شهادته لديها أو الاتصال بأقرب مركز.....).
ومما لفت انتباه الكثيرين أن البيان شمل كلمة (بواسطة المناظير)، والتي كان الخلاف حولها كبيراً خلال السنوات الماضية، على الرغم من الفتوى الصادرة من هيئة كبار العلماء في عام 1982 - 1983 بخصوص اعتبار الرؤية بالتلسكوب ''رؤية شرعية''، إلا أن هذا الأمر لم يكن يؤخذ في الاعتبار خلال السنوات الماضية، إذ خلت بيانات مجلس القضاء الأعلى من جواز الاستعانة بالمناظير في الرؤية، وعلى الرغم من أن هذا هو البيان الثاني والذي تضمن كلمة المناظير، إذ إن البيان الأول كان قبل شهر وذلك لرؤية هلال شعبان، فإن تأكيد المحكمة العليا لرؤية هلال رمضان بالمنظار يبقى له طعم خاص ورؤية مميزة، ومع ذلك لم يلغ البيان مسألة الرؤية ''بالعين المجردة''، بل جعل الباب مفتوحا أمام الطريقتين، ومما لفت الانتباه أيضاً خروج بيان الرؤية من المحكمة العليا وليس من مجلس القضاء الأعلى كما كان معتاداً في السنوات الماضية.
وعلى الرغم من حسم خلاف استخدام المناظير في الرؤية، فإن الخلاف لا يزال قائماً بين علماء الشريعة وعلماء الفلك فيما يتعلق بالحسابات الفلكية الأخرى، ولعل خطوة استخدام المناظير تسهم في تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
ولن أقحم نفسي في مثل هذا الجدل فهو ليس من تخصصي، ولكني نظرت إلى موضوع استخدام المنظار من زاوية أخرى وهي زاوية الدقة والحرص والاهتمام بدخول هذا الشهر الكريم، فاهتمام الناس البالغ بالتأكد من دخول الشهر الكريم له مبرراته العلمية الطبيعية وفي مقدمتها معرفة متى سيكون أول أيام الصيام، غير أن اللافت للانتباه هو أن الاهتمام بالشهر نفسه وأحكامه وواجباته يكاد يكون معدوماً بعد ذلك.
إن الحرص الكبير على رؤية الهلال ودخول الشهر يجب أن يتبعه حرص آخر بنفس القدر، إن لم يكن أكبر على تطبيق أحكام الصيام وواجباته، وإذا كنا استخدمنا المنظار في رؤية هلال رمضان فيجب أن يبقى هذا المنظار معنا طوال الشهر نراقب من خلاله تصرفاتنا وننظر إلى أحوالنا ونتابع به عباداتنا، فهو شهر واحد في العام، كان السلف يدعون الله أن يبلغهم إياه قبل ستة أشهر ويدعون الله أن يتقبل منهم لمدة ستة أشهر أخرى.
علينا أن نتخذ من هذا المنظار في هذا الشهر الكريم أداة مراقبة لأنفسنا، فنعرف من خلاله كيف قضينا أوقاتنا ونبصر به تصرفاتنا مع الآخرين، وكما تأكدنا من خلاله بدخول الشهر نتأكد به من أننا نسير في هذا الشهر على الطريق المستقيم.
إنه شهر الخير والرحمة والمغفرة وشهر التسامح والشعور بمعاناة الآخرين، وهو فرصة عظيمة لنا يجب أن نستغلها وأن نعمل جاهدين فيها على أن نغير من أنفسنا ومن كثير من العادات السيئة التي ترتبط بنا طوال العام، وأن نجعل من هذا الشهر نقطة تحول وبداية جديدة للمضي في طريق الخير والصلاح من خلال مراقبة أنفسنا والحرص على استغلال أوقاتنا على أفضل وجه، فمن لم يعمل على تحسين حاله في رمضان بكل ما فيه من روحانيات وعبادة وخشوع فمتى سيعمل؟