قصص ومواقف مع «العمار»
عايشت كما عايش كثير من المواطنين غيري تجربة بناء مساكنهم الخاصة، ومتابعة أعمال تنفيذها، والإشراف عليها. ولكثرة ما سمعت من القصص والمواقف الغريبة أو المضحكة، وما مر علي شخصياً خلال هذه التجربة؛ فإني أكاد أجزم بأنها تتكرر، وستتكرر مع كل من يرغب في بناء مسكنه ومتابعته بنفسه؛ إذا استمر افتقادنا شركات المقاولات المتخصصة في تنفيذ المساكن الخاصة. أستأذن القراء الكرام بأن أسرد عليهم قصتين من هذه القصص والمواقف للعبرة والفائدة، وإن لم تحصل فللتسلية والترويح عن النفس؛ على أقل تقدير.
القصة الأولى
اتصل الحارس المكلف بحراسة موقع البناء في ساعات الصباح الباكر ليخبر مالك الفيلا بأن عمَّال المؤسسة المتخصصة في أعمال اللياسة وتركيب بلاط ''السراميك والبرسلان'' لم يحضروا إلى الموقع، فاتصل عدة مرات بالمشرف عليهم ولكنه لم يرد على اتصالاته، كما حاول الاتصال بصاحب المؤسسة، وإن كان متأكداً بأنه – كعادته - لا يرد على الاتصالات الصباحية؛ لأنه لا يستيقظ ويبدأ نشاطه إلا بعد الظهر، ففكر أن يتصل بجاره الذي مدح له أعمال المؤسسة وعمَّالها، فتعاقد معها بناء على توصيته، خصوصاً أنهما متزامنان في مراحل التنفيذ، فلم يجد لديه إجابة شافية، فهو لا يعلم إن كان العمال قد حضروا إلى العمل في مسكنه أم لا. واستمر في تكرار الاتصال – وهو يشتاط غضباً مع كل اتصال- إلى أن أجاب المشرف على العمال في أحد اتصالاته في مساء ذلك اليوم. وبعد السؤال والاستفسار عن سبب تغيب العمال وعدم حضورهم إلى العمل توقعوا ماذا كانت الإجابة، إنها مفاجأة! إنه ''Koboz Strike''، ماذا؟! بالعربي: ''إضراب الخبز''! العمال في إضراب عن العمل للمطالبة بحقهم في الحصول على خبز ''التميس'' الساخن للإفطار، ويرفضون الإفطار على ''التميس'' البارد الذي يشتريه لهم المشرف عندما يحضرهم إلى الموقع في الصباح الباكر قبل موعد الإفطار بعدة ساعات. فأصابت المالك الحيرة، وغدا يضرب أخماساً في أسداس، ولم يدر ماذا تكون ردة فعله؛ أيضحك على عذر المشرف بوصفها طرفة، أم يفسح المجال لغضبه أن ينفجر، ويكيل للمشرف الشتائم وينفِّس عما يغلي في صدره ويضطرم؛ لاستغفاله بمثل هذه الكذبة ''السامجة'' التي لا تنطلي حتى على طفل جاهل، بينما الحقيقة أن العمال قد تم نقلهم إلى موقع عمل آخر.
القصة الثانية
اتفق المالك مع الكهربائي ومساعديه على اللقاء بعد صلاة ظهر يوم السبت في مسكنه لاستكمال أعمال التركيب النهائي لعدد من وحدات الإضاءة، ولتنبيههم إلى بعض الأخطاء في المأخذ والمفاتيح الكهربائية التي يلزم العمل على تعديلها أو إصلاحها قبل أن تنتقل أسرته إلى مسكنها الجديد. وفي اليوم المحدد لم يتمكن المالك من إنهاء أعماله والذهاب إلى صلاة الظهر في المسجد القريب من مسكنه الجديد، فصلى في مقر عمله وانطلق مسرعاً لمقابلة الكهربائي ومساعديه، وهو يخشى أن يتأخر عليهم، وفي طريقه وهو لا يزال على مقربة من مكان عمله لمح الكهربائي وهو منطلق بسيارته ولكن في عكس الاتجاه، فاطمأن إلى أنه ليس المتأخر الوحيد عن الموعد المضروب بينهما، ولكنه استغرب من ذهاب الكهربائي إلى عكس الاتجاه! وأحب أن يعرف ماذا يحدث؟ فوجدها فرصة أن يتصل به على الجوال ليعرف منه الحقيقة، وقبل أن يتمكن من سؤاله بادره الكهربائي بالاعتذار عن عدم التمكن من الحضور إلى الموعد لأنه مسافر إلى الدمام منذ نهاية الأسبوع لإنجاز بعض الأعمال في منزل كفيله الجديد، وأنه لن يعود إلى الرياض قبل أسبوع على أقل تقدير!! وأترك للقراء أن يتخيلوا ما انتهت إليه المحادثة بينهما.لا تمثل القصتان السابقتان إلا غيضاً من فيض لمواقف الملاك وتجاربهم مع بناء مساكنهم، ولو أن المساحة المخصصة للمقالة تسمح لذكرت لكم قصصاً إضافية، ولكني أعدكم – إن شاء الله – أن أعود في المستقبل إلى سرد مواقف وقصص أخرى، كما أني أشجع القراء الكرام على إرسال تجاربهم المشابهة إلى بريدي الإلكتروني لعرضها ومناقشتها.
أستاذ العمارة والإسكان