قبل يوم من محادثات الحدود – الهند تزجر الصين

مستشار الأمن القومي الهندي إم كيه نارايانان ونائب وزير الخارجية الصيني داي بنجو، الممثلان الخاصان للحكومتين، عقدا الجولة الـ 13 من محادثات الحدود بين البلدين، في نيودلهي يومي 7 و8 آب (أغسطس) 2009، وناقشا النزاع حول الأرض والحدود بين الهند والصين عمره أكثر من نصف قرن، وخاض البلدان حوله حرب حدود عام 1962، والجولة الحالية من المحادثات تعقد في جو من الشكوك المتبادلة بعد فجوة سنة.
وعلى الصعيد الاستراتيجي، تحسنت العلاقة الهندية ـ الصينية بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وتم الحفاظ على الهدوء على خط المراقبة الحقيقي، Line of Actual Control، ووقع آخر حادث أدى إلى إطلاق نار وخسائر في عام 1967 حين وقعت مناوشة حدودية على ممر Nathu La في سيكيم، وتعاون البلدان بشكل جيد في الساحة الدولية باتخاذ مواقف مشتركة في مفاوضات منظمة التجارة العالمية والتغير المناخي، لكن ما زال عليهما أن يتوصلا إلى اتفاق جوهري حول قضية أمن الطاقة، والتجارة الثنائية التي تتكون أساساً من المنتوجات الصينية المكتملة التي تصّدر إلى الهند، والحديد الخام الهندي الذي تستورده الصين، تجاوزت 50 مليار دولار أمريكي خلال عام 2008 /2009، وتعد الصين الآن ثاني أكبر شريك تجاري للهند بعد الولايات المتحدة، والاتصالات بين الشعبين نمت بصورة ثابتة خلال العقد الماضي.
لكن الشكوك المتبادلة التي تصل إلى درجة العداء ما زالت تصبغ العلاقة على الصعيد التكتيكي، فالصين عارضت بشدة منح الهند وثيقة مجموعة الموردين النوويين لنقل تكنولوجيا الطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم، وهي ما زالت ترفض قبول الهند كدولة تملك أسلحة نووية ولا تناقش بناء الثقة النووية والمجازفة بإجراءات التخفيض مع الهند، وتواصل الصين إطلاق المزاعم المتكررة في منطقة ناوانج في الولاية الهندية أروناشل براديس، Arunchal Pradesh ، التي تبلغ مساحتها نحو 96 ألف كيلو متر مربع، على أنها أرض لها.
وشنت وسائل الإعلام الصينية التي تسيطر عليها الدولة هجمات قاسية ضد الهند في هذه السنة بسبب سياساتها "العدوانية"، فقد نشرت مقالة في جلوبال تايمز يوم 12 حزيران (يونيو) 2009، تتهم الهند بنشر 60 ألف جندي إضافي على الحدود - وهو ادعاء زائف بشكل واضح - وكانت رافضة لطموحات الهند للوصول إلى مكانة قوة عالمية، ومضت لتصدر تحذيراً شديد اللهجة:"على الهند أن تفكر فيما إذا كان بمقدورها أن تحتمل تبعات مواجهة محتملة مع الصين".
وقبل شهر، كانت الحكومة الصينية قد لوت ذراع الهند برفض إعطاء موافقتها على إجازة معلقة لخطة تنمية الهند بمبلغ 2.9 مليار دولار في بنك التنمية الآسيوي إذا لم يتم شطب أرونا شل براديش من الوثيقة.
واللجنة الوزارية الهندية برئاسة رئيس الوزراء مانموهان سنج وافقت على مشروع ري بقيمة 80 مليون دولار في منطقة أروناشل براديش يوم 6 أب (أغسطس) 2009، قبل يوم من الجولة الثالثة عشرة لمحادثات الحدود، وهذا زجر مباشر للصين ورسالة واضحة بأن الهند تعتبر أوناشل براديش جزءاً لا يتجزأ من البلاد وأن اعتراضات الصين على تنمية أروناشل لن تكون مقبولة.
وحيث إن خط المراقبة الحقيقي لم يرسم فعلياً على الأرض والخرائط العسكرية لم توضع فإن مواجهات الدوريات شائعة، وتحمل الصحافة الهندية تقارير متكررة عن التوغلات عبر خط المراقبة الحقيقي وأثيرت القضية في البرلمان، ومن الممكن أن تؤدي مواجهة دوريات في المستقبل إلى حادث إطلاق نار يخرج عن زمام السيطرة عليه، ومن هنا فإنه لا يمكن الاستبعاد الكامل لحرب حدود محلية، مع أن الاحتمال ضئيل، وبينما تزداد الفجوة العسكرية بين الهند والصين بشكل مستمر، فإن الحل المبكر للنزاع حول الأرض والحدود مهم من وجهة نظر الهند، وترى الصين أنها مشكلة خلفها التاريخ وعلى الجانبين أن يتركاها للأجيال المقبلة لحلها.
ولم يتحقق كثير من التقدم خلال الجولات الـ 12 السابقة من محادثات الحدود بين البلدين، وفي الحقيقة، ونتيجة للعناد الصيني المستمر فلم يكن بالإمكان حتى تبادل الخرائط العسكرية المرسومة التي تظهر تصور الجانبين حول أين يسير خط المراقبة الحقيقي، دون إجحاف بمزاعمهما حول نزاع الأرض، وقد تم تبادل الخرائط المرسومة فقط بالنسبة للقطاع الأوسط الأقل إثارة للخلاف نسبياً، على امتداد حدود الولايتين الهنديتين هيماشال براديش وأوثر كهاند، ويجب تبادل الخرائط المرسومة التي تظهر خط المراقبة الحقيقي لخط مكماهون في القطاع الشرقي (أروناشل براديش) والقطاع الغربي (لاداخ - أكاسي تشن) التي تعد الصين في احتلال فعلي فيهما لأرض تبلغ مساحتها 38 ألف كيلو متر مربع التي تدعي الهند حقها فيها، وبعد تبادل الخرائط المرسومة فقط يمكن أن تجري المحادثات لحل الخلافات في هذين القطاعين.
وخلال محادثات الحدود عام 2005 وقعت الحكومتان اتفاقية بعنوان "اتفاقية حول الحدود السياسية والمبادئ الموجهة لتسوية قضية الحدود"، ومن بين قضايا رئيسة أخرى، فإن هذه الاتفاقية تنص على أن على الجانبين أن يحميا المصالح اللازمة لسكانهما المستقرين في مناطق الحدود".
وبعد سنة، وقبل أسبوع من زيارة الرئيس هو جنتاو للهند في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 ادعى سون يوكي، سفير الصين لدى نيودلهي أن "أروناشل براديش بأكملها أرض صينية".
ومنذ ذلك الحين، أعلن متحدثون صينيون عديدون ووسائل الإعلام الرسمية حقاً في تاوانج، وهي بلدة أديرة قريبة من الحدود مع التيبت، على دعوى مشكوك فيها بأن دالاي لاما سابقاً قد ولد فيها، وهذا الادعاء ينتهك مبدأ حماية مصالح "السكان المستقرين"، ويعوق بشكل كامل أي تقدم مقبل في محادثات الحدود.
ونتيجة لذلك فشل الجانبان في إصدار بيان جوهري مشترك حول اختتام الجولة الـ 12 للمحادثات، فقد قال البيان الصادر بصورة معتدلة أن المحادثات كانت "واقعية وصريحة وودية".
لذلك لا يمكن توقع الكثير من الجولة الحالية من المحادثات لا سيما أن هذه المحادثات تجري في جو فاسد، وهذا شيء مزعج لأنه في عالم أصبح يتكل بعضه على البعض الأخر فإن الفشل في حل النزاعات حول الأرض والحدود يمكن أن يكون ذا تبعات كارثية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي