أداء متميّز للقطاع المصرفي للربع الثاني 2009

كشف تقرير التطورات الاقتصادية خلال الربع الثاني من عام 2009، الذي صدر عن الإدارة العامة للأبحاث الاقتصادية والإحصاء في مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، عن العديد من المؤشرات والدلالات المالية، التي تؤكد على استمرار الأداء المتميز للقطاع المصرفي السعودي، رغم تبعات وإفرازات الأزمة المالية العالمية السلبية، التي ألقت بظلالها على معظم القطاعات المصرفية في بلدان العالم المتقدم، وتسببت في انهيار عدد كبير من المصارف والمؤسسات المالية المرموقة على مستوى العالم، مثل البنك الاستثماري المعروف ليمان براذرز في الولايات المتحدة وغيره كثر.
من بين أبرز المؤشرات والدلالات المالية، التي عكسها التقرير المذكور، والتي أكدت على سلامة المراكز المالية للبنوك المحلية، تنامي الوضع المالي وحجم السيولة النقدية في القطاع المصرفي، الأمر الذي يؤكده، تحقيق عرض النقود بتعريفه الشامل والواسع (ن3) خلال الربع الثاني من العام الجاري، ارتفاعاً بلغت نسبته 3.8 في المائة (36.3 مليار ريال)، ليبلغ نحو 1002 مليار ريال، وبمعدل نمو سنوي بلغت نسبته نحو 16.4 في المائة أو ما يساوى مبلغ 141.2 مليار ريال.
هذا التنامي الكبير في حجم السيولة، الذي يعد الأعلى في مستواه على مدى السنوات الماضية، جاء متواكباً مع ارتفاع وتيرة الإنفاق الحكومي على مشاريع التنمية الاقتصادية المختلفة، وبالذات في ظل تماسك أسعار النفط العالمية في حدود 65 دولارا للبرميل في المتوسط خلال الفترة الماضية، كما أن هذا الارتفاع في حجم السيولة، يؤكد على استمرار «ساما» خلال الربع الثاني من العام الحالي، في اتباعها لسلسة من الإجراءات المحفزة على نمو السيولة في القطاع المصرفي بشكل خاص وفي النظام النقدي بشكل عام، والتي لعلي أُذكر بالبعض منها على سبيل المثال لا الحصر، إبقاء نسبة الاحتياطي القانوني على الودائع تحت الطلب عند مستوى 7 في المائة، الإبقاء على معدل اتفاقيات إعادة الشراء في حدود 2 في المائة وتخفيض معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس بمقدار 25 نقطة أساس كل مرة، ليصل إلى 0.25 في المائة، الأمر الذي أسهم كذلك بشكل كبير في حالة الاستقرار المالي الذي تعيشه المملكة بشكل عام، والذي يشهده كل من القطاع المصرفي والنظام النقدي السعوديين بشكل خاص.
الزيادة التي طرأت على حجم السيولة في القطاع المصرفي، نتيجة وكما أسلفت لاستمرار انتهاج «ساما» لسياسات نقدية محفزة على نمو السيولة، ساعدت المصارف المحلية بشكل كبير على الاستمرار في التوسع في النشاط المصرفي والائتماني، الأمر الذي يؤكده ارتفاع إجمالي مطلوبات المصارف التجارية من القطاع الخاص والقطاع الحكومي (ائتمان مصرفي واستثمارات) خلال الربع الثاني مع العام الحالي بنسبة 0.5 في المائة (4.8 مليار ريال) ليبلغ نحو 945.9 مليار ريال، مقارنة بانخفاض بلغت نسبته نحو 3.6 في المائة (35.5 مليار ريال) في الربع السابق، هذا وقد سجل حجم الائتمان المصرفي ارتفاعاً سنوياً بنهاية الربع الثاني من عام 2009، بلغت نسبته نحو 4 في المائة (36.2 مليار ريال)، وشكلت نسبة الائتمان المصرفي والاستثماري ما نسبته نحو 103.2 في المائة من إجمالي الودائع المصرفية مقارنة بنسبة 106.6 في المائة في نهاية الربع السابق.
بالنسبة لإجمالي احتياطيات ورساميل وأرباح المصارف التجارية المجمعة العاملة في المملكة، فقد أظهرت بالتقرير المذكور، انخفاضا خلال الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالربع السابق، حيث بلغ الانخفاض في إجمالي الاحتياطيات ورؤوس الأموال نحو 1.7 مليار ريال، بينما بلغ الانخفاض في مجمل الأرباح نحو 0.3 مليار ريال، ولكن وعلى الرغم من هذين الانخفاضين، إلا أن القطاع المصرفي لا يزال يحقق مستوى أرباح جيدة، ويتمتع بملاءة وبكفاءة مالية عالية جداً، تتجاوز بكثير مقاييس ومعايير الكفاءة المالية، التي حددتها لجنة «بازل» العالمية، والتي هي في حدود 8 في المائة، في حين أن القطاع المصرفي السعودي يتجاوز هذه النسبة بأكثر من 2.5 مرة، هذا إضافة إلى أن رؤوس أموال البنوك المجمعة، طرأت عليها زيادة خلال الربع الثاني من العام الحالي، بلغت نحو 1.607 مليون ريال مقارنة بالربع السابق، بينما قد بلغت تلك الزيادة مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي نحو 18.769 مليون ريال.
القدرات المالية المتميزة للمصارف المحلية، مكنتها من التوسع في شبكة الفروع خلال الربع الثاني من العام الجاري، حيث ارتفع عدد فروع المصارف التجارية العاملة في المملكة ليبلغ 1450 فرعاً وبنسبة نمو بلغت 1.4 في المائة (20 فرعاً)، مقارنة بعدد 1430 فرعاً في الربع السابق، هذا كما قد بلغ إجمالي أعداد أجهزة الصرف الآلي في نهاية الربع الثاني من العام الحالي 9517 جهازاً، وقاربت عدد بطاقات السحب الآلي (الصراف) المصدرة من البنوك المحلية نحو 13 مليون بطاقة، فيما واصلت أجهزة نقاط البيع في النمو حيث قد بلغت بنهاية الربع الثاني أكثر من 75.3 ألف جهاز.
جميع هذه التفاعلات المالية الجيدة للبنوك المحلية، التي أظهرها تقرير التطورات الاقتصادية المذكور خلال الربع الثاني من العام الحالي، انعكست بشكل إيجابي وجيد على إجمالي قيمة المركز المالي الموحد للمصارف التجارية العاملة في المملكة، حيث قد بلغت قيمة إجمالي الموجودات والمطلوبات للمصارف التجارية العاملة في المملكة بنهاية الربع الثاني 2009، نحو 1337.7 مليار ريال، بارتفاع بلغت نسبته نحو 1.0 في المائة (13.8 مليار ريال) عن الربع السابق.
خلاصة القول، إن جميع المؤشرات والدلالات المالية، التي أظهرها تقرير التطورات الاقتصادية خلال الربع الثاني من عام 2009، الصادر عن الإدارة العامة للأبحاث الاقتصادية والإحصاء في مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، تؤكد بوضوح تام غير قابل للجدل أو للتأويل، على قوة ومتانة المراكز المالية للبنوك المحلية العاملة في المملكة، كما أن تلك المؤشرات المالية الإيجابية، تبدد جميع المخاوف والشكوك حول عدم قدرة البنوك المحلية في التعامل مع تبعات وتداعيات الأزمة المالية العالمية، بما في ذلك قدرتها على الصمود في وجه التحديات، الأمر الذي تؤكد عليه معايير السيولة الجيدة التي تتمتع بها البنوك المحلية، بما في ذلك نوعية وجودة وسلامة الاحتياطيات ورؤوس الأموال والأرباح، إضافة إلى سلامة الموجودات، كما أن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها «ساما»، والخاصة بحماية النظام المصرفي السعودي والمحافظة على مكانته، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الحد من الإقراض العشوائي أو الخوض في الاستثمارات والعمليات المصرفية عالية المخاطر، إضافة إلى بعض الضوابط الأخرى، كان لها الأثر الكبير في وقاية القطاع المصرفي السعودي من الصدمات والهزات المالية المحتملة، بما في ذلك تحقيق الاستقرار المالي للمملكة، والمحافظة على توازن السيولة في المصارف المحلية، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي