Author

مصالح حملة الأسهم وأهدافهم.. وحوكمة الشركات في سوق المال

|
الحوكمة كلمة من الكلمات التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وأصبحت تتردد على الألسنة بشكل واسع على مستوى جميع أسواق المال في العالم، للتعبير عن العلاقة التي تربط بين الإدارة وحملة الأسهم في الشركة التي يتم تداول ورقتها المالية في هذه الأسواق، بشكل يحقق الأمان والطمأنينة لحملة الأسهم، ولا يجعل مصالحهم عرضة للمخاطر. ومن هذا المنظور يمكن النظر إلى أن الإدارة ما هي في الأساس إلا وكيل عن حملة الأسهم باعتبارهم أصحاب المصلحة الرئيسية في الشركة، ولذا فمن المتوقع أن تسعى الإدارة إلى تحقيق الهدف الأساسي الذي يصبو إليه حملة الأسهم، وهو تعظيم ثرواتهم أو تعظيم القيمة السوقية للأسهم العادية للشركة. وتتم هذه العلاقة في ضوء ما يسمى في الفكر المالي بنظرية الوكالة، والتي تقضي بوجود علاقة وكالة ضمنية بين طرفين هما الإدارة وحملة الأسهم، بحيث يوافق احد الطرفين ( الإدارة ) على أن يعمل لحساب الطرف الآخر ( حملة الأسهم )، وذلك من خلال تكلفة يتكبدها حملة الأسهم من جراء إعطاء الإدارة كافة الصلاحيات في تسيير شؤون الشركة بوصفها وكيلة عنهم وبعيدا عن رقابتهم، وبالتالي يتحمل حملة الأسهم في سبيل ذلك بعض التكاليف التي يطلق عليها بتكلفة الوكالة لحقوق الملكية الناجمة عن تخليهم عن إدارة أموالهم بأنفسهم، الأمر الذي يترتب عليه ترك أمر الشركة لأعضاء الإدارة الذين قد يجدون المبرر لتتغلب مصالحهم الشخصية على مصالح حملة الأسهم، وفي ضوء ما سبق قد يسود الاعتقاد أن الإدارة لا تكرس كل جهدها لتحقيق هدف حملة الأسهم. فأعضاء الإدارة هم من البشر، لذا يتوقع أن يسعون هم أيضاً إلى تعظيم ثرواتهم وأهدافهم الخاصة ورعاية مصالحهم وأهدافهم الشخصية، وذلك بمحاولة القيام باتخاذ قرارات أو تصرفات تحقق لهم في كثير من الأحيان منافع سريعة في الأجل القصير متجاهلين آثارها السلبية على المدى الطويل. ويمكن إرجاع تلك التصرفات وهذه الممارسات بشكل أساسي إلى ما يسمى بمفهوم انفصال الملكية عن الإدارة الناشئة بطبيعة الحال عن نظرية الوكالة في وقت قد تتعارض فيه أيضاً مصالح الإدارة مع مصالح حملة الأسهم بوصفهم أصحاب المصلحة الرئيسية ومالكي الشركة الأصليين. وهكذا فإنه جزء لا يتجزأ من مفهوم هذه النظرية يقوم على افتراض تعارض مصلحة بين حملة الأسهم والإدارة، والناشئ عن الاعتقاد بأن الإدارة تهتم بتقديم مصلحتها ومنفعتها الخاصة أو الذاتية على حساب مصلحة الملاك( حملة الأسهم)، وبالمثل فإن الملاك أيضاً يرغبون في تعظيم أرباحهم، وينشأ هذا الاعتقاد عندما يسعى كل عضو في فريق الإدارة باتخاذ قرارات تتعلق بتعظيم منافعه وأهدافه الشخصية ولا تؤدي إلى تعظيم ثروة حملة الأسهم وتعظيم قيمة الشركة. وإذا ما نظرنا إلى بيئة الواقع العملي في الماضي القريب سنجد أنها مليئة بالعديد من هذه القرارات التي قامت فيها الإدارة بتصرفات نتيجة انفصال الملكية عن الإدارة، في وقت تعارضت فيه المصالح وأدت إلى إلحاق الضرر بحملة أسهمها، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر مأساة بنك بارنج البريطاني، وأزمة دول جنوب آسيا واليابان، وفضيحة شركة إنرون وورلدكم الأمريكتين. وأثارت هذه الممارسات الشك بشأن الافتراض القائم على أن الإدارة تسعى إلى خدمة ورعاية مصالح حملة الأسهم، وبالتالي القيام بخدمة أهدافها على حساب أهداف حملة الأسهم خاصة في ظل غياب الأنظمة والأسس والمعايير اللازمة لضبط أداء الإدارة والحيلولة دون تعارض المصالح. ومما يزيد من حدة المشكلة أيضاً أن أسهم الشركة عادة ما تكون مملوكة لعدد كبير من المستثمرين الذين لا يعرف بعضهم بعضا ومتواجدين في أماكن جغرافية متباعدة بشكل يجعل من الصعب عليهم إمكانية قيامهم بمراقبة تصرفات الإدارة وصعوبة قيامهم باتخاذ موقف جماعي. كما أنه وفي ظل اتجاه هؤلاء المستثمرين أيضا إلى الاستثمار في أكثر من شركة في سوق المال بهدف تكوين محفظة أوراق مالية متنوعة، فإن الأضرار التي تلحق بالمستثمر الفرد نتيجة سوء الإدارة في شركة ما تكون محدودة بشكل يقلل من الدافع لديه لمراقبة تصرفات إدارة تلك الشركة، وذلك بسبب تعدد وتنوع المحفظة الاستثمارية لدى المستثمر في كثير من الأحيان. وعلى هذا الأساس جاءت الحاجة إلى استخدام كلمة حوكمة الشركات أو الإدارة الرشيدة باعتبارها وسيلة تضمن للمجتمع بأن إدارة الشركة تعنى بمصالح حملة الأسهم بوصفهم أصحاب المصلحة الرئيسية في بقاء الشركة واستمرارها. وبذلك فإن حوكمة الشركات تعنى بشكل أساسي القيام بوظيفة الحماية لملاك الشركة من خلال مجموعة من القواعد والمبادئ و/ أو المعايير التي تحكم تصرفات الإدارة تجاه مصالح حملة الأسهم، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى التأكيد على تعظيم قيمة الشركة أو تعظيم القيمة السوقية لأسهمها في سوق المال. وحتى يمكن لنا أن نتفهم مضمون حوكمة الشركات وفاعليتها في السيطرة على التصرفات غير المسؤولة التي قد تقوم بها الإدارة، يجب علينا أولا معرفة هيكل الملكية السائد في الشركة الذي يحكم تصرفات الإدارة، وما إذا كانت هذه الملكية مركزة أو موزعة (مشتتة)، وذلك لما لهيكل الملكية من تأثير على تحديد مراكز القوى في داخل الشركة، وهذا بدوره يقودنا إلى ما يعرف في الفكر المالي بثقافة الإدارة المالية والمرتبطة أساسا بمصادر التمويل الرئيسية التي تعتمد عليها الشركات في تدبير وتمويل احتياجاتها من الأموال أو الموارد المالية اللازمة لأغراض إتمام الأعمال المتعلقة بنشاط الشركة ومشاريعها التي نشأت من أجلها، وبطبيعة الحال فإن هذه الثقافة تؤثر في فاعلية التطبيق الجيد للحوكمة في السيطرة على تصرفات الإدارة وحماية مصالح حملة الأسهم، بوصفها المحدد لهيكل الملكية والقوى المؤثرة داخل الشركة في ظل تعارض مصالح الإدارة مع حملة الأسهم. ويمكن القول إن هناك ثلاث ثقافات للإدارة المالية يتحدد في ظلها هيكل الملكية التي تعتمد عليه الشركات في تدبير الأموال اللازمة للقيام بأنشطتها التشغيلية، فهناك ثقافة سوق رأس المال، وهي التي تعرف بنموذج أو نظام الشركات المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام. وثقافة المؤسسات المالية، وهي التي تعرف بنموذج الشركات المساهمة المغلقة أو الشركات العائلية بحيث تتركز ملكية الشركة في عدد محدود من المستثمرين عادة ما يكونون من عائلة واحدة. وتأتي أخيرا ثقافة المجموعات الصناعية الكبيرة، وهى مجموعة من الشركات المكونة للمجموعة، وتقوم كل شركة بنشاط مكمل للآخر بحيث تشتمل على شركة للإنتاج، وشركة للتجميع، وشركة للتسويق تسيطر على منافذ التوزيع، وهكذا حتى يصل المنتج بشكله النهائي للمستهلك في الأسواق. وحيث إن الشركات المساهمة التي يتم تداول أسهمها في سوق المال هي محور اهتمامنا وحجر الزاوية في هذا الحوار، فإنه تم استبعاد ثقافة المؤسسات العائلية، وثقافة المجموعات الصناعية الكبرى، ليصبح المستهدف بهذا الشكل هو ثقافة سوق رأس المال – أي نموذج الشركات المساهمة المفتوحة التي تطرح أسهمها للجمهور من خلال الاكتتاب العام. وفي ظل هذه الثقافة عادة ما يكون نمط هيكل الملكية مملوكا لعدد كبير من صغار المستثمرين الذين لا يشاركون عادة في الإدارة، بل يعتمدون في ذلك على انتخاب مجلس إدارة مستقل ينوب عنهم في تعيين إدارة تنفيذية محترفة يتولى مراقبتها- أي تصبح الملكية هنا ملكية مشتتة و/ أو موزعة بين عدد كبير من المالكين لحصص صغيرة من أسهم الشركة. مما قد يعني غياب الدافع الكافي لديهم لمراقبة نشاط الشركة، أو حتى الاشتراك في القرارات التي تتخذها الإدارة، بل وقد لا يحضرون اجتماعات الجمعية العمومية حتى لو كانت لاختيار مجلس إدارة جديد. ويكون سبيلهم الوحيد للمشاركة هو التفويض لأعضاء من الإدارة التنفيذية للتصويت نيابة عنهم، لتصبح للإدارة التنفيذية قوة الجمعية العمومية، إذ يصبح من الممكن إزاحة مجلس الإدارة الذي سبق أن اقترح تعيينها، وليس العكس. وبذلك تصبح مراكز القوى داخل الشركة في يد الإدارة التنفيذية، وتتمكن من اتخاذ قرارات تزيد من ثرواتهم الشخصية، حتى ولو كان ذلك على حساب مالكي الشركة من حملة الأسهم. وبالتالي تتيح هذه الظروف للإدارة المسببات والمبررات التي تعطيها قدراً من الحرية قد يساء استغلالها، إما بقصد أو تحت ضغط الظروف، والضحية في النهاية بطبيعة الحال هم المستثمرون ومالكو الشركة الحقيقيون، خاصة أن معظمهم من صغار المستثمرين الذين لا حول لهم ولا قوة، ليتغير بذلك مصطلح كيفية إدارة الشركة إلى كيفية حوكمتها. وتتأكد بذلك الحاجة إلى دستور يندرج تحت ما يعرف بمصطلح حوكمة الشركات يتضمن مجموعة من الضوابط الداخلية والخارجية التي تحكم التطبيق قواعد الجيد له، ويتم الارتكاز عليه في إدارة ومراقبة تعاملات وتصرفات الإدارة، ويحقق في الوقت نفسه الحماية والرعاية لمصالح حملة الأسهم في الشركة. غير أن مجرد وضع الدساتير أو القوانين والأنظمة واللوائح وحتى العقوبات الرادعة ربما لا تساهم بشكل كبير في تحقيق الهدف المنشود من استخدام وتطبيق كلمة الحوكمة في الواقع العملي، وأن هناك حاجة إلى توفير آليات ذاتية قادرة في التأثير على الإدارة من أجل الالتزام بتلك القواعد. وهنا يأتي دور السلطات والجهات التشريعية المشرفة على سوق المال، وهي عادة ما تكون في هيئة سوق المال من خلال قيامها بوضع الأسس والمتطلبات اللازمة لضوابط وقواعد التطبيق الجيد لحوكمة الشركات في السوق، وبما يحقق الدعم لأداء السوق، وعدم تعرضه لأي هزات قد تؤدي إلى فقدان الثقة فيه، وبما يحقق في النهاية التوازن بين أصحاب المصالح المتعارضة في السوق. ويتم ذلك من خلال توفير البيئة التشريعية المساندة سواء فيما يتعلق بالشركات ذاتها، أو بالقطاع المالي الذي تعتمد عليه في تمويل احتياجاتها، فضلا عن توافر التشريعات التي تؤكد على مسؤولية الإدارة في العمل على تعظيم قيمة الشركة، وتوفير الحماية اللازمة للمستثمرين، والبعد عن الاستفادة من المعلومات الداخلية والاتجار في أسهم الشركة بناء على هذه المعلومات الداخلية غير المتاحة للجمهور، وأيضا حث الإدارة على خدمة مصالح حملة الأسهم سواء كان ذلك من خلال تطبيق مجموعة من الأدوات والأساليب تقوم على الإقناع تتمثل في وجود أنظمة للحوافز ترتبط بمدى قدرة الإدارة على تحقيق أهداف حملة الأسهم (ملاك الشركة)، ووجود سوق عمل ذي كفاءة قادر على تقييم أداء الإدارة، و أخرى تقوم على الإجبار والإلزام من خلال الدور الإشرافي الذي تباشره الجمعية العمومية على الإدارة التنفيذية من خلال مجلس الإدارة، والدور الرقابي من خلال مراقب الحسابات الخارجي. وفي النهاية يظل الاهتمام بمصالح حملة الأسهم ( ملاك الشركة ) هو محور اهتمامات و أولويات عمل هيئة سوق المال، وذلك من خلال قيامها بوضع وتوفير المتطلبات والأسس اللازمة لقواعد التطبيق الجيد والملزم لحوكمة الشركات في سوق المال. بالإضافة إلى ذلك يمكن القول إن صناديق الاستثمار العاملة في أسهم الشركات المتداولة في سوق المال، لا تخرج عن صلب هذا الحوار ونطاقه، فما ينطبق على عمل الإدارة في الشركة ينطبق أيضاً على عمل إدارة هذه الصناديق، ودورها في خدمة مصالح مالكي وحدات هذه الصناديق ورؤوس أموالها وحمايتهم من المخاطر وتحقيق هدف تعظيم ثرواتهم في هذه الصناديق، من خلال التطبيق الجيد للحوكمة على إدارات هذه الصناديق من قبل الجهة المشرفة على سوق المال والرقابة عليها. خاصة أننا نعيش في الوقت الراهن ما خلفته الأزمة المالية العالمية الحالية من آثار سلبية أدت بسببها إلى تعرض العديد من المؤسسات المالية والصناعية إلى مخاطر الإفلاس، وألحق معها بالتبعية الكثير من الأضرار بحملة أسهم تلك المؤسسات، بل وبالاقتصاد العالمي ككل. وما حدث لعملاق صناعة السيارات في العالم وأكبر منتج لها عبر الزمن، وهو شركة جنرال موتورز الأمريكية لهو خير دليل وتأكيد على ذلك.
إنشرها