الحاجة ملحة إلى مفوضية متخصصة في شؤون الـ WTO

استبشر الوسطان الاقتصادي والتجاري السعوديان، خيرا بانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية WTO في عام 2005، لا سيما أن ذلك الانضمام قد تحقق بعد مرور عشر سنوات من المفاوضات الشاقة مع المنظمة والدول الأعضاء في المنظمة، التي بدأت عام 1996 وحتى 2005، واستلزمت صدور 26 أمراً سامياً، وانعقاد 24 اجتماعا للجنة الوزارة لوضع التوصيات والاستراتيجيات الخاصة بالانضمام، وعقد 317 اجتماعا لفريق التفاوض السعودي، لدراسة المكاسب والتكاليف المترتبة عن الانضمام، وزيارة 64 دولة للتوقيع على 38 اتفاقاً ثنائياً، وإصدار 42 نظاماً ولوائحها التنفيذية، لتتماشى مع اتفاقيات المنظمة الأساسية، والإجابة عن 3400 سؤال، وتقديم سبعة آلاف صفحة من الوثائق للتأكيد على قوة ومتانة أسوقنا واقتصادنا وبيئتنا الاستثمارية والتجارية.
استبشار الوسطين الاقتصادي والتجاري المحليين، بانضمام المملكة إلى المنظمة المذكورة، يرجع سببه، إلى المكاسب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية العديدة، التي ستحقق للمملكة من جراء ذلك الانضمام، التي لعل من بين أهمها وأبرزها، فتح الأسواق العالمية أمام السلع السعودية بشكل أكبر، مقارنة بأي وقت مضى، وتحسين مستوى مساهمة القطاعات والأنشطة الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، وتوطين الوظائف، وتجنيب المنتجات والسلع السعودية من أن تكون عرضة لقضايا الإغراق بالأسواق العالمية التي يتم التصدير إليها، وبالذات البتروكيماويات.
بعد مضي نحو أربع سنوات من انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية، يتساءل البعض، وأنا من بينهم، عن حجم المكاسب التي تحققت للمملكة من جراء ذلك الانضمام، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: (1) هل حققت المملكة، وحقق مواطنوها، وحقق اقتصادها الوطني المكاسب المرجوة من وراء ذلك الانضمام، وفقما هو مخطط له مسبقا؟ (2) هل نجحنا في توطين عدد كبير من الوظائف، من خلال تحرير عدد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية، وبالذات قطاع الخدمات؟ (3) هل تمكنا من رفع نسبة مساهمة عدد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي، مثال قطاع الخدمات بشكل عام، وقطاع التوزيع بشكل خاص؟ (4) هل تمكنا من تجنيب صادراتها، من التعرض لقضايا إغراق في الخارج؟ (5) هل تمكنا من تجنيب أسواقنا المحلية، من أن تكون سوقا مفتوحة للإغراق بالسلع والخدمات التي نستوردها من الخارج؟.
الدكتور فواز العلمي عضو فريق الخبراء في منظمة التجارة العالمية ورئيس الفريق الفني التفاوضي من عام 1997 إلى 2009، أكد في حوار نشر له في «الاقتصادية» في العدد 5747، أن المملكة بعد مرور أربعة أعوام على الانضمام إلى المنظمة، قد حققت العديد من المكاسب، الأمر الذي يؤكده أن المملكة حازت المركز الـ 12 كأكبر دولة مصدرة للسلع في عام 2008، وأن هناك زيادة كبيرة قد تحققت في حجم الصادرات غير النفطية، التي ارتفعت قيمتها من 57 مليار ريال في عام 2004 قبل الانضمام إلى نحو 128 مليار ريال في عام 2007 بعد الانضمام، وأن عدد الشركات الأجنبية والشركات ذات المسؤولية المحدودة المختلطة، بما في ذلك فروع الشركات المساهمة الأجنبية وفروع الشركات الأجنبية المحدودة، قد ارتفع من 247 مجتمعة في عام 2004 إلى 397 شركة في عام 2007.
رغم تأكيدات الدكتور فواز، بتحقيق المملكة لمكاسب اقتصادية، من جراء انضمامها إلى المنظمة بعد مرور أربع سنوات، إلا أنه لا يزال هناك العديد من الأسئلة المهمة التي تدور في الأذهان، المتمثلة في مدى واقعية تلك الإنجازات مقارنة وقياساً بما ما هو مخطط لتحقيقه قبل الانضمام، لا سيما في قطاع الخدمات، الذي يحتوي على 12 قطاعاً رئيساً، 155 فرعياً وأربع طرق لتقديم الخدمات، ويعد من أكثر القطاعات تعقيداً في معالجة قضايا السعودة والاستثمار الأجنبي وفتح الأسواق المحلية لمقدمي الخدمات الأجانب، استنادا إلى مبدأ النفاذ للأسواق وتطبيق مبدأ المعاملة الوطنية.
قضايا الإغراق والحمائية، التي تعرض لها عدد من شركات البتروكيماويات السعودية أخيراً، الصين، وقبلها الهند، الاتحاد الأوروبي، كندا، وتركيا، تطرح أيضاً العديد من التساؤلات حولها، ولا سيما أن الميزات التنافسية، التي تمتلكها بالنسبة ذلك النوع من المنتجات قد تمت مناقشته مع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية من خلال الاتفاقيات الثنائية Bilateral والاتفاقيات التعددية Multilateral.
في ظل التعقيدات والمتغيرات والمستجدات، التي تطرأ على متطلبات ما بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بين الحين والآخر، والتي هي في رأيي أهم بكثير من مراحل وخطوات عملية الانضمام نفسها، وبهدف كذلك ضمان تعظيم المكاسب المترتبة عن الانضمام والتقليل من التكاليف، وتجنيب المملكة من أن تكون عرضة لقضايا إغراق، أو حمائية في المستقبل، فإن الأمر يفرض الحاجة إلى إنشاء أو استحداث جهاز أو جهة متخصصة في المملكة، ولتكن مفوضية، تعنى بشؤون متابعة متطلبات ما بعد الانضمام، والوقوف على المستجدات والمتغيرات أولاً بأول، وتوجيهها واستغلالها الاستغلال الأمثل لمصلحة المملكة واقتصادها، وذلك على غرار مكتب التمثيل التجاري للولايات المتحدة United State Trade Representative - USTR، الذي تم إنشاؤه في عام 1962، بقوام 200 شخص، لتولي مهام إجراء مفوضات مباشرة مع الحكومات الخارجية، للتوصل إلى اتفاقيات تجارية، على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف، بما في ذلك تسوية الخلافات، بالشكل الذي يعود بالنفع على أمريكا وتجارتها الخارجية واقتصادها، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي