السعادة في القناعة .. فما نصيب كل منا منها؟!

يتفاوت الناس في أرزاقهم وإمكاناتهم وما يملكون من جاه وحسب ومنصب ومال وأولاد, ولله حكمة في هذا الاختلاف والتفاوت, إذ لو تساوى الناس في كل شيء, وانتفت الفروق بينهم لفقدت الحياة طعمها, ولم يعد للجد والعمل والكفاح معنى, والله سبحانه أمر الإنسان بالعمل والبحث عن الرزق, كما قال سبحانه ''هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه'', إلا أن لكل إنسان قدرات وإمكانات محدودة, لا يستطيع تجاوزها فيما يسعى إليه من طموح وتحقيق أهداف, فكل إنسان ميسر لما خلق له, كما هو مأثور, وعلى الإنسان أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح, وحسب الإنسان أن يبذل ما يستطيع من جهد لتحقيق هدفه في الحياة, فإذا لم يستطع تحقيقه بالكامل فعليه أن يعذر نفسه ولا يلومها, أو يندب حظه, لكلا يبقى أسير الحسرة والندم والشعور بالإحباط والدونية, بل عليه أن يتسلح بالقناعة والرضا بوضعه الذي هو فيه, وألا ينظر دائما إلى من سبقه, أو إلى من هو فوقه, إلا بقدر ما تعزز فيه هذه النظرة حب الوصول إلى ما وصل إليه غيره, والعمل لتحقيقه, وإنما ينظر إلى من هو دونه, أو أقل منه مكانة لكي يشعر بقيمة ما عنده ليستشعر الراحة والسعادة.
والحرص الزائد قد يجلب الندم عندما لا يتحقق ما يحرص عليه المرء فيكون ذلك مدعاة للضيق والأسى والشعور بخيبة الأمل والغم والهم!..
وقد قال الإمام علي - رضي الله عنه:
قد يرزق العاجز مع عجزه
ويحرم الكيس مع فطنته
والرزق مضمون على واحد
مفاتح الأشياء في قبضته
إن عضك الدهر فكن صابرا
على الذي نالك من عضته
وإذا كانت القناعة كنز لا يفنى, كما هو مأثور, فإن السر في هذا الكنز هو استمراريته وعدم نضوبه, إذ هو إحساس غير مادي لا يتأثر أو ينقص بالاستعمال, تجده مرافقك أينما ذهبت, ترجع إليه, تنهل من معينه, وتنعم بالتمتع به, بينما يشقى غيرك بالحسرة على ما فاته, وبالنظر إلى ما لدى غيره, وتجاهل ما لديه.
يقول أبو الفتح البستى:
وذو القناعة راض عن معيشته
وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان
حسب الفتى عقله خلاَ يعاشره
إذا تحاباه إخوان وخلان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن ساءته أزمان
ومن ملك زاد القناعة ملك مفتاح السعادة, وذلك باستمتاعه بما يملك وإحساسه بقيمته, فضلا عن تحقق الرضا النفسي والاستمتاع بالحياة, بينما يشقى غيره بالتحسر على ما فاته, والغيرة مما عند الآخرين, والحرص على الحصول على ما ليس له, فلا هو استمتع بما لديه, ولا هو حصل على ما لدى غيره, وكم من إنسان يعيش عيشة الكفاف يشعر بطعم السعادة والرضا أكثر ممن يحرص على الاستحواذ على كل شيء, وقديما قال الطغرائي:
تلك القناعة لا يخشى عليه ولا
يحتاج فيه إلى الأنصار والخول
ترجو البقاء بدارٍ لا ثبات بها
فهل سمعت بظلٍ غير منتقلِ
والثروة لا تجلب السعادة، فكم من ثري محروم من السعادة يشقى بجميع ثروته ويتمنى لو يشتري السعادة بما لديه، وكم من ثري مريض يتمنى لو يشتري الصحة بما يملك، كما أن المنصب والجاه لا يجلبان السعادة إذا انعدم الشعور بالقناعة، فالقناعة هي الشعور بالرضا بما يملكه الإنسان بعد الاجتهاد وبذل الأسباب الكافية لتحقيق الأهداف.
وهناك فرق بين هذا كله والاستسلام للواقع والتسليم به، فلو أردنا انسحاب هذا المفهوم على الشباب الذين يبحثون عن فرص العمل ولا يجدونها ثم يستسلمون للبطالة تحت أي ذريعة كانت، مثل أن فرص العمل استولى عليها الوافدون، أو أن الجهة المسؤولة عن التوظيف لا تقف معهم، أو أن هناك مقاومة من قبل أصحاب الأعمال لتوظيفهم، وأنهم يفضلون الوافد عليهم، ويكتفون، أي الشباب، بإلقاء اللائمة على من تسبب في حرمانهم من فرصة العمل الشريف في وطنهم، ولا يجدون بديلا سوى التحول إلى رقم في سجل العاطلين الذين لا يعرف أحد عددهم، والكل يعتقد أنهم أكثر بكثير مما يعلن!...
الخلاصة أن على الشاب ألا يستسلم، وأن يبحث عن العمل بنفسه، ولا ينتظر من يطرق عليه الباب ليقدم له الوظيفة على طبق، ولو من نحاس، فهذا لن يحصل في ظل الوضع القائم والقاتم!..، وعليه أن يكافح وينافح للحصول على فرصة العمل، متسلحا بالعزيمة والإصرار، والمبادئ التي يطلقها ويدعمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن المواطن أولا، والمواطن أولى بأن ينعم بالعيش الكريم في بلده، كما أن على الشاب ألا يأنف من العمل في أي مهنة شريفة، تكفيه ذلّ السؤال ومذلة البطالة، حتى وإن كان دخل الوظيفة لا يبلغ حدود تطلعاته، فالمواظبة والإصرار كفيلان بالترقي والاستمرار، وكم من شاب بدأ بداية متواضعة في العمل، لكنه حمد العقبى بعد عدة سنوات.

والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي