متى تلوم مدير الصندوق الاستثماري ومتى تلوم نفسك؟

كثيراً ما تردني استفسارات عن مدى جدوى الاستثمار في الصناديق الاستثمارية، نظراً لتحقيقها خسائر في الفترات الماضية بالرغم من إدارتها المحترفة. ولذا رأيت من الواجب توضيح دور مدير الصندوق الاستثماري وطبيعة مسؤوليته عن أداء الصندوق، والتي يقابلها مسؤولية على المستثمر نفسه بالتنويع بين تشكيلة من الصناديق في فئات استثمارية وأسواق مختلفة.
فعالم الاستثمار يحوي العديد من الفئات الاستثمارية (كالودائع والمرابحة، والسندات والصكوك، والعقارات، والأسهم، السلع والمعادن...إلخ)، التي تختلف عن بعض من حيث عائداتها ومخاطرها (أو نسبة تذبذبها) وفي مدى ارتباط حركاتها السعرية ببعض، كما أن العديد من الفئات الاستثمارية (مثل الأسهم) تنقسم بدورها إلى أسواق عدّة (كأسهم أمريكية وألمانية وسعودية...إلخ). ومن المعلوم أن المفتاح للنجاح في الاستثمار مع تخفيض المخاطر يكمن في التنويع في فئات استثمارية مختلفة وفي أسواق متعددة (والذي تطرقنا له في مقالنا بعنوان ''التنويع ثم التنويع ثم التنويع'' والمنشور في 28/06/2009).
ولكننا نجد أن معظم الصناديق الاستثمارية تختص بالاستثمار في إحدى الفئات الاستثمارية بعينها دون الأخرى (كصندوق مرابحة، وصندوق صكوك، وصندوق عقاري، وصندوق أسهم، وصندوق سلع ومعادن، وغيرها)، والكثير من هذه الصناديق يتعدى ذلك ليركّز على سوق بعينه (كصندوق الأسهم السعودية، وصندوق الأسهم الأمريكية) أو مجموعة أسواق (كصندوق الأسهم الخليجية، وصندوق الأسهم الآسيوية). بل إن بعض الصناديق تتعدى الفئات الاستثمارية والأسواق لتركّز على قطاع بعينه (كصندوق الأسهم البتروكيماوية السعودية) أو على فئة حجمية من الشركات (كصندوق الشركات السعودية المتوسطة). ولدى تأسيس أي صندوق يتم تحديد الفئة الاستثمارية والسوق (أو الأسواق) والقطاع والفئة الحجمية التي يستثمر فيها ومن ثم يتم إدراجها ضمن بنود تأسيسه. والهدف من هذا التخصص والتركيز في الصناديق الاستثمارية هو:
• لتمكين مدير الصندوق من التخصص في فئة استثمارية وسوق ومجال محدد، مما يمكنه من فهمها والتعمق فيها بشكل أكبر، وبالتالي يمكنه انتقاء الاستثمارات فيها بشكل أفضل.
• لإعطاء المستثمر الفرد أكبر قدر من الحرية لتفصيل استراتيجيته الاستثمارية بانتقاء تشكية من الصناديق الاستثمارية وفق الفئات والأسواق والقطاعات التي يتوقع لها الأداء الأفضل أو المخاطرة الأقل.
ولذا فإن دور مدير الصندوق وجهده يتركزان على انتقاء الاستثمارات ضمن الفئة الاستثمارية والسوق الذي تم تحديده له ولكنه لا يملك تغيير أي منها أو تبديلها. فمدير صندوق أسهم سعودية على سبيل المثال ليس بوسعه الامتناع عن الاستثمار فيها إذا كان يتوقع انخفاضها والاستعاضة عنها بأسهم صينية مثلاً. لهذا فمن غير المتوقع أن تجد صندوق أسهم سعودياً يربح 50 في المائة في سنة يخسر فيها السوق ككل 50 في المائة من قيمته. وذلك على قول المثل ''طيب السوق ولا طيب البضاعة''. ومن هذا المنطلق أيضاً لا يمكن مقارنة أداء صندوق أسهم سعودية بأداء صندوق آخر يختص فقط بأسهم البتروكيماويات السعودية (على سبيل المثال)، لأن الهدف والإطار الاستثماري للصندوقين يختلف.
ومن هذا العرض يتضح لنا أن هدف معظم الصناديق الاستثمارية ليس تحقيق العائد بصفة مطلقة، إنما هدفهم التغلب على السوق الذي يستثمرون فيه (والذي يرمز له المؤشر الإرشادي للصندوق). فمن المفترض أن يعمل مدير الصندوق على تحقيق ربح أكبر في السنة التي يحقق فيها سوقه ربحاً ويتكبد خسارة أقل في السنة التي ينخفض فيها سوقه.
أما التنويع في الفئات الاستثمارية والأسواق المختلفة وتحديد مبلغ الاستثمار في كل فئة استثمارية وسوق فهو من اختصاص المستثمر نفسه ومن مسؤوليته الشخصية. وهذا يكون ببناء محفظة (لا نقصد بها هنا محافظ التداول في الأسهم) تتكون من العديد من الصناديق المختلفة في فئات استثمارية وأسواق مختلفة، بحيث ينتقي المستثمر ويركّز على الصناديق التي تستثمر في الأسواق التي يتوقع لها الصعود، بينما يخفّف من الصناديق التي تستثمر في الأسواق التي تتوقع لها الانخفاض.
*******
لعلك تقول لنفسك في هذه اللحظة ''والله حالة!!! أنا اخترت أستثمر في الصناديق لأرتاح من عناء الاستثمار وتعقيده، والآن ترجع وتقول لي لازم أنا أعمل (محفظة) وأوزعها على الصناديق المختلفة بنفسي؟ إذاً كأنك يا زيد ما غزيت!!''.
لا تخف يا عزيزي المستثمر، فهناك العديد من البدائل المتاحة لمساعدتك في بناء هذه المحفظة:
• يمكنك بناء محفظتك بنفسك بناء على معرفتك الشخصية بحاجاتك وبناء على تصوراتك لأداء الفئات الاستثمارية والأسواق المختلفة. وبالطبع هذا يتطلب قدراً من المعرفة والدراية.
• أو يمكنك الاعتماد على مستشار مالي متخصص من إدارة الاستثمار بالبنك أو شركة الاستثمار التي تتعامل معها ليقترح التنويع الأمثل لأموالك حسب ظروفك الشخصية ووفق توقعاته لأداء الفئات الاستثمارية والأسواق المختلفة. وهذا بديل جيّد ولكنه متاح في العادة (للطحاطيح) الذين بإمكانهم استثمار مبلغ يفوق مليون ريال.
• أو يمكنك استخدام الأدوات الموجودة على العديد من مواقع الإنترنت التي تمكّنك من بناء محفظة بطريقة آلية، وذلك عن طريق الإجابة عن بعض الأسئلة وأخذ نصائح واقتراحات عن الأوزان النسبية المناسبة لكل فئة وكل سوق بحسب أهدافك ورغباتك.
• أو بإمكانك الاستثمار في إحدى المحافظ المتوازنة والمعدّة سلفاً، حيث تقوم العديد من الشركات الاستثمارية بتكوين عدد من المحافظ الاستثمارية المتوازنة (عادة ما بين ثلاث خمس محافظ) تتكون كل منها من تشكيلة منوعة من الصناديق الاستثمارية في مختلف الفئات والأسواق وتختلف إحداها عن الأخرى من حيث معدّل المخاطرة والعائد المستهدف (مثال: محفظة متحفظة، محفظة متوازنة، محفظة مغامرة) بحيث تزيد المحفظة المتحفظة من وزن الصناديق منخفضة المخاطر بينما المحفظة المغامرة تزيد الوزن النسبي في الصناديق الأعلى مخاطرة وعائداً. وهذه المحافظ المتوازنة جيدة، حيث تتمتع بالسهولة والتنويع والإدارة المحترفة على مستوى المحفظة، ولكنها أقل مرونة، حيث لا تسمح للمستثمر بتغيير الأوزان وفقاً لرغبته أو توقعاته. أما إذا استثمر المرء في صندوق واحد فقط فإنه يركّز مدخراته في فئة استثمارية واحدة وفي سوق واحد في معظم الأحوال. وبالتالي فإنه لا ينبغي أن يلوم مدير الصندوق على الخسارة المتأتية من انخفاض تلك الفئة الاستثمارية أو ذلك السوق ككل، بل عليه أن يلوم نفسه على عدم التنويع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي