هل هي عَرَض لمرض رهاب الأجانب؟
مقتل الصيدلانية المصرية مروة الشربيني أثار جدلا واسعا وفجر صخبا إعلاميا كبيرا تناول الأصول والفروع.
والظروف التي وقعت لمروة الشربيني جعلت قضيتها إسلامية قبل أن تكون وطنية، لأن المجرم الذي قتلها أعرب عن رفضه لحجابها وانهال عليها بغضبه قبل أن ينهي حياتها. الفروع في الموضوع كثيرة وتتمثل في عديد من التساؤلات:
* هل تحركت الحكومة المصرية كما ينبغي أم أنها انتظرت حتى أثار الإعلام العاصفة؟
* لماذا سكت الألمان لأيام طويلة ثم تحركوا بعد ثلاثة أيام كاملة؟
* هل هو صدام جديد بين الإسلام والغرب على غرار ما حدث من الرسام الدنماركي؟
أما الأصول وهي الأهم, فهي تلك الحقيقة التي لم تعد تقبل الجدل أن وصم المسلمين بالإرهاب, الذي تتبناه واشنطن مهما أخفت رأسها، يؤتي ثماره المأساوية. فقد أيقظ روح مرض أوروبي مزمن هو رهاب الأجانب كان كثيرون يعتقدون أنه انتهى، خاصة عند مشاهدة البرامج الرياضية التي أظهرت لنا كيف أن رياضيي فرنسا وإسبانيا مثلا في دورة البحر الأبيض كان 90 في المائة منهم (خاصة فرنسا) من الأفارقة.
وعلينا أن نعود بالذاكرة لهذا المرض في 1971 عندما أعلن وزير الدفاع البريطاني دنيس هيلي سياسة شرقي السويس التي تزامنت مع رفض النائب المحافظ القوي إينوك باول أن يقيم على أرض بريطانيا آسيوي أو إفريقي واحد. وبعد مداولات وصدامات مطولة رضخ العنصريون عندما تذكروا أن أمجادهم الإمبراطورية بُنيت على أكتاف هؤلاء، فقد كان 80 في المائة من أفراد الجيش الإمبراطوري البريطاني من الهنود (فرق السيخ والبنغال والبنجاب والسند).
وحدث الشيء نفسه في سنة 1963 بعد استقلال الجزائر، حينما وقف أنصار الاستيطان لرفض إقامة الجزائريين على أراضيهم ووقعت حوادث عنيفة وما زال الزعيم اليميني لوبان يطالب بطرد الأجانب. مع أن الأفارقة - شمالا ووسطا وغربا - كانوا القوة الأساسية للجيوش الفرنسية في الحرب العالمية الثانية, خاصة في حروب الهند الصينية في فيتنام ولاوس وكمبوديا. ورضخ المتطرفون وإن لم يسكتوا نهائيا بدليل تكرار الصدامات حول ارتداء الفتيات المسلمات ملابس إسلامية في المدارس الفرنسية. وصدرت أحكام قضائية ضد المسلمين. أما هولندا التي شهدت نزوح سبعة ملايين إندونيسي إلى أراضيها المحدودة - كانوا من أنصار المستعمر وخشوا بطش زعيم الاستقلال أحمد سوكارنو إن هم بقوا في إندونيسيا. وتعرضوا لبطش عنصري يومي طال حياتهم الاقتصادية واضطروا إلى الكفاح باللين أحيانا والصدام أحيانا أخرى، حتى حصلوا على الجنسية وأصبحوا جزءا من المجتمع.
وعبر النماذج: الإنجليزي والفرنسي والهولندي والبلجيكي بعد 1960 رأينا كيف سكنت نيران الفتنة، فلماذا ظهرت جمرات جديدة سرعان ما اشتعلت - وأين؟ - في ألمانيا! ولماذا ألمانيا؟ هل لأنها بؤرة العنصرية الأوروبية كما اتهمها خصومها دائما؟ أنا شخصيا من المعجبين بالألمان فهم الذين اخترعوا المطبعة (جوتنبرج) أما هيرتز فاكتشف الموجة الإلكترونية التي جعلت الإذاعة والتلفزيون أمرا ميسورا وأشعة إكس والنسبية والسيارة والصاروخ ولكننا لا نستطيع أن ننسى النزعة الاستعلائية الآرية التي مارستها قبائل الجيرمان والتيوتون والهان قبل أن يطبقها هتلر عندما قسم البشر إلى 13 درجة وضع اليهود والزنوج والغجر والعرب في قاعها، وكل من زار ألمانيا يشعر برفض الألمان التحدث بلغة غير الألمانية وإصرارهم على أن يشاهدوا الأفلام الأمريكية مدبلجة باللغة الألمانية ومبالغتهم في تكريس كل ما هو ألماني.
ومن الحماقة حقا تطبيق معيار واحد أو حكم محدد على شعب من الشعوب ولكن ظهور جماعات عنصرية مثل بادر ماينهوف في ألمانيا يؤكد أنها مرتع خصب للفكر العنصري. وجاء اغتيال مروة الشربيني ليظهر للعالم الديمقراطي الفرق بين القول والفعل، وما شهدناه من استنكار مخفف وتقاعس عن الاعتذار أو المواساة يقول الكثير ويكفي أن نسأل: ماذا لو وقع الحدث بصورة عكسية، أي ماذا لو قتلت ألمانية بالصورة نفسها؟ فما ردود الفعل المتوقعة؟
إن جميع شعوب العالم تعاني هذا المرض البغيض وهو كراهية الأجانب مصداقا للحكمة القائلة “الناس يحبون من يعرفون ويكرهون أو يحذرون من لا يعرفون” واسألوا مدربي الكرة الأجانب في جميع بلاد العالم، فهم وحدهم السبب في الهزائم, ولا يكون الإصلاح إلا بالخلاص منهم.
نتمنى ألا تعيد حادثة مروة الشربيني أياما عصيبة من المواجهات تحت شعارات عنصرية أو دينية.