حاضنة «بادر» .. الشركات المتوسطة والصغيرة من الحاضنة إلى العالمية (2)
لطالما تحدثنا عن أهمية تنويع مواردنا الاقتصادية والتقليل من اعتمادنا على النفط, ولطالما تمنينا أن تأتي الأيام التي يكون لدينا فرصة لتنمية القطاع الخاص لكي يلعب دوراً قيادياً في اقتصادنا. اليوم ورغم الطفرة التنموية التي يشهدها اقتصادنا، إلا أن الكثير من الشركات السعودية لم تسلك الطريق نحو العالمية عدا القليل منها جداً. عملية تطور شركاتنا نحو العالمية عملية لا تُكمل خطواتها فلا يزال الغالبية من الشركات السعودية بشتى أنواعها وأحجامها كما هي مثلما كانت منذ تأسيسها حتى وإن كان ذلك منذ عقدين أو ثلاثة أو حتى أربعة!! وما زالت محدودة في أنشطتها في حدود الوطن الحبيب!!
معضلة العالمية أو عقدتنا معها تكمن في أمرين, الأول يتعلق بالعادة السيئة لدى الكثير من رجال وسيدات الأعمال السعوديين في تطوير شركاتهم على المستوى الوطني ثم لا يأبهون بتخطي الحدود خارج المنطقة العربية ومن ثم يبدؤون في تأسيس شركة جديدة في نشاط مختلف تماماً قاطعين الطريق على الشركات المتوسطة والصغيرة وفي الوقت ذاته يشتتون التركيز في صناعة أو تجارة معينة! هل هذا يرجع إلى نقص خبرة في المنافسة في الأسواق العالمية؟ الأمر الثاني يتعلق بحقيقة أن الشركات السعودية تعاني رغم الطفرة في المشاريع الحكومية من عدم إلزام الحكومة للشركات المنفذة من استخدام نسبة معينة من المنتجات الصناعية السعودية كما تفعل الكثير من الدول! هذا الأمر لم يساعد على نمو الشركات السعودية وخاصة المتوسطة والصغيرة منها, فعدم النمو محلياً لن يساعد هذه الشركات على الاستمرار نحو العالمية.
ما قادنا إلى الأمر الأول هو كون هذه الشركات شركات عائلية غلبت عليها ثقافة العائلة وليس ثقافة المنافسة, ثقافة التشتت في التخصص وليس التركيز والإبداع في تخصص. حاضنة «بادر» سترعى الجيل الجديد من الشركات السعودية التي سيكون لها مشارب معرفية تسهم في خلق ثقافة إدارية تتطلع للمنافسة التي لا تحبسها حدود الوطن أو «موبيا» ملاكها. الشركات التي ستدخل الحاضنة لها فرصة أكبر في التدرج في الخطوات نحو العالمية مقارنة مع الشركات التي تنشأ خارج الحاضنة. لا بد من أن يكون من برامج الحاضنة برامج على مراحل العملية نحو العالمية. الجيل الجديد من أصحاب وصاحبات الأعمال السعوديين جيل له مهارات قابلة للتطوير, من المهم صقل مهاراتهم ليكون للعالمية فيها وجود, يجب أن لا يكون الهدف هو تأسيس الشركة بهدف النجاح المحدود في المنطقة أو الدولة, يجب أن يكون في قلب الحاضنة هدف التطوير للوصول للعالمية. عندما أسست شركة جوجل كانت ولادتها في كراج منزل وفي سنوات محدودة أصبحت من كبرى الشركات في العالم, لو كان يمتلك ملاكها «موبيا» من العالمية لظلت حبيسة ذلك الكراج! الطريق نحو العالمية يتطلب الثقة في النفس وفي القدرة على المنافسة بنجاح في الأسواق العالمية, الكثير من هذه الثقة نفسية وعلى الحاضنة تعزيزها وتقويتها وإلا ستذهب جهودها هباء. اليوم نضع الكثير من الأمل على نجاح الحاضنة في تطوير الجيل الجديد من الأعمال السعودية، لذا فنحن نأمل أن توفر لها الموارد اللازمة لتقديم خدماتها. التوسع في برامجها التدريبية والمعرفية ضرورة لنجاحها. خلق شراكة حقيقية وفعالة مع الجامعات والأكاديميين في المملكة ومن خارجها تعد في غالية الأهمية. في بريطانيا, على سبيل المثال, هناك برنامج يعرف بنقل المعرفة للشركات المتوسطة والصغيرة مشترك بين الحكومة والجامعات حيث تقوم الشركات باختيار أحد طلبة الماجستير وتوظيفه/ها لمدة سنتين في الشركة للقيام بعمل يتعلق باستراتيجية الشركة وتوجهها وقدرتها التنافسية وتوفر الجامعة أحد الأكاديميين المتخصصين للقيام بعملية الإشراف على الطالب، وكذلك القيام بزيارة الشركة مرة كل أسبوع. تقوم الحكومة بدفع نصف راتب الطالب وتدفع الشركة النصف الآخر, في حين يدفع للأكاديمي مبلغا معينا يذهب لحسابه/ها البحثي في الجامعة. أثبت هذا البرنامج نجاحه وخاصة في تطورها ودخولها أسواق عالمية جديدة رغم صغر حجمها.
حاضنة «بادر» تستحق الاهتمام والرعاية والتطوير. نجاح الحاضنة سيسهم في مجالات مختلفة, منها الإسهام في الاقتصاد المعرفي, تعزيز فرصة انتقال الشركات السعودية على مراحل العالمية من صغيرة إلى متوسطة ومن متوسطة إلى كبرى ومن محلية إلى إقليمية ومنها إلى عالمية, فهذا ما يفيد اقتصادنا.