سقط منصور !!
كثير هم الذكور في عالمنا، لكن قلة هم الرجال، ورجل هذا المقال تعجز كلمات قاموسي عن إيفائه حقه وحق أبيه الصابر، اللواء محمد الضلعان. رجل خدم هذا الوطن، ومن حقه علينا أن نشاركه أحزانه، ونخفف مصابه، ونذكره بأن من رحل هو ابنه، وأخونا. فلذة كبده، وروحنا التي كنا نواسي النفس بها، أو هكذا خلناه. عرفناه وعركناه وما شهدنا عليه إلا بكل خير.
رحل منصور إلى جوار ربه، وبقي ذكره الطيب نتناوله كلما عدوا سمات الرجال. وهذه نصيحة لي أولاً ولقرائي وأعزائي وكل من انتسب لهذا الوسط الرياضي. أسأل ببساطة ماذا فعل نجوم الرياضة ليذكروا بالخير! ما الذكر الذي سيخلفونه حين انقضاء آجالهم غير الشهرة والبريق الزائف! كيف هي علاقتهم بربهم أصلاً! لا أقصد التدين الصوري، أو الالتزام (الشكلي)، لكنني أتكلم عن طباع وأخلاق.
ما ميز منصور عن باقي الرجال قلبه الطاهر، ومساعدته لمن عرف ومن لم يعرف. الناس للناس والكل لله كان نبراسه الذي أكسبه حب واحترام الجميع. يخدم القريب والبعيد. الصاحب والغريب. لم يكن يرائي أحداً في أعماله، وما عرفه الناس، حتى أهله، بل حتى والداه من بعد انتقاله لربه يفوق الوصف. رجل يتنفس قضاء حوائج الناس، وتلك لعمري سجية قل وجودها في زمن طغت المادة فيه على كل شيء. في ذاك الصباح، سقط رجل من حسبة الرجال الذين نظن فيهم خيراً، وأنتم شهداء الله في أرضه. سقط رجل،أو هكذا صاح محمد ومن معه وهم يتسامرون ويسبحون في ذكريات ذاك الحبيب. الهدوء كان طبعه، والسمت والأناة والحلم وكتم السر من أجمل مزاياه. في أصعب الظروف وأحلكها كنت تجد وجهه الطاهر بشوشاً مؤمناً صادقاً. لكم شاهدته في الملمات صابراً، واليوم فقدناه وفقدت الأرض رجلاً. هكذا تمتم أخوانه لا أصدقاؤه، محمد وأديب ووليد والبقية. سقط رجل، وما سقطت سجاياه. رحل منصور، وما ذكرناه إلا بالطيب.
في وسطنا الرياضي، ثمة لاعبون يركلون الرياضة قبل الكرة في ملاعب شتى، ولا يهتمون بسجايا الرجال. ثمة إعلاميون كذلك، ومسؤولون وتطول القائمة. نحرص على البطولات، ولكل بطولته الخاصة به، وننسى ما يبقى غداً. ننسى ونتناسى الحساب والعقاب، وقانا الله وإياكم عقاب الجبار ورزقنا جنته. شهرة وركض نحو الملايين، بل البعض بات كما تصفه الكلمة الغربية Snoop أو محدث نعمة. بالأمس لا يملك فتات الدنيا، واليوم جاءته الدنيا وما فيها، ونسي حق ربه، وحق الوالدين وحقوق الخلق. نسي الغائية التي من أجلها هو سائح في ملكوت الله. توقف عند صورة هنا وخبر هناك. شائعة هنا وثانية هناك.
ولو كان الأمر بيدي، لنشرت تلك الصورة الجميلة عن منصور في وسطنا الرياضي. غير منصور آلاف ممن يسيرون على البسيطة، لكنه مثالا، وحسبي أنه خير مثال.
منصور بن محمد الضلعان، أبوه خدم هذه البلد، ولقد كان صابراً في الملمات.رأيته شاحب الوجه، وحق له ذلك، لكنني أقولها له ولأم الفقيد وإخوته، ومن حمل هم تلك المصيبة في قلبه، مات منصور، وما مات ذكره العطر. قبض الله روحه، وكل روح مقبوضة، إن هي إلا آجال مكتوبة، وخطى محسوبة، ومن كتبت له خطى مشاها. لكن تيقن يا أب الروح الزكية أن منصور رحل وعطر ذكرياته يشمه القريب والغريب. قالها أحدهم في لجة الحزن، لا يجتمع اثنان على كره منصور أو غيبته، وفي ذاك مظنة الخير كله. طب نفساً يا أبا منصور، فلله ما أعطى، وله ما أخذ، وله العاقبة. طب نفساً يا أبا منصور، فذكرى منصور العبقة تلج بها ألسن عباده. حسب منصور دعاء العجائز، وحسبه دموع الأحبة، وحسبه ذكر الطيب والخير. سقط منصور يا أباه، وما سقطت سجاياه. فطب نفساً، وادفع قدر الله بقدر الله.