حوار .. قد يهمك أن تعرف ما دار فيه!
اسمحوا لي في البداية أن أخبركم بأنني شغلت بالتفكير كثيراً في الأسباب التي تدفع بعض الناس إلى بناء مساكنهم وبعضهم الآخر إلى شرائها من المساكن المعروضة في السوق للبيع. ولكني قررت أخيراً أن أكتب هذا المقال بعد أن أتيحت لي الفرصة لأشهد حوارا دار بين مواطنين (يرغب كل منهما أن يتحرر هو وأسرته من همِّ الاستئجار إلى فرج الامتلاك، وما يتبعه من استقرار وأمان واطمئنان، وإن اختلفا في أسلوبهما وطريقة تفكيرهما). فالأول يرغب في تطوير مسكنه بذاته؛ ابتداء من شراء الأرض، ومتابعة تصميم المسكن مع المكتب الاستشاري، واستخراج الرخص اللازمة للبناء، والبحث عن المقاول أو المقاولين والتعاقد معهم، ومتابعة أعمال البناء والإشراف عليها بمفرده أو بمساعدة مشرف - سواء كان مهندساً أو غير ذلك، والبحث عن مواد الإنهاء واختيارها وتوفيرها، والحصول على شهادات إكمال البناء، وطلب توصيل الخدمات. أما المواطن الآخر فيرغب في اختيار مسكن من المساكن الجاهزة والمعروضة في السوق وشرائه، والانتقال هو وأسرته مباشرة للسكن فيه بعد إكمال تأثيثه.
وقد شدَّني حوارهما ووجدته شيقاً، وربما مفيداً، فاسمحوا لي أن أنقل لكم طرفاً منه بأسلوبي، عسى أن تجدوا فيه شيئاً من المتعة والفائدة.
الأول: لدينا - أنا والأسرة - أحلام كثيرة «لمسكن العمر» ومواصفاته تجمعت على مر السنين، وأنا متأكد أنها لا يمكن أن تتوافر بحال من الأحوال في أي مسكن معروض في السوق، ولا يمكن أن أتنازل عنها؛ لذا أنا مُصرٌّ على تحقيقها في المسكن الذي سأقوم بتصميمه وتنفيذه بنفسي؛ إن شاء الله.
الآخر: ولماذا تجهد نفسك - يا أخي - بعناء قد يستمر لأشهر بل لسنين في مقابلة العمال والمقاولين وتحمل «غثاهم» ومشكلاتهم التي لا تنتهي، والأمر كله لا يخرج (عن كونه: مجلساً، وغرفة طعام، وصالة، وغرف نوم، ومطبخاً، وحمامات)، وكلها متوافرة بأشكال متعددة في المساكن المعروضة في السوق؛ فاشترِ – يا أخي - راحتك وراحة بالك بمسكن جاهز.
الأول: (لا يمكن، لا يمكن)! أريد مسكناً متميزاً - بالطريقة التي أريدها - في تفصيله الداخلي وزخارفه، وشكله الخارجي. أريد مسكناً «مميزاً» لا يوجد مثله، ولا أريد أن أشتري مسكناً يضيع الضيف وهو يبحث عنه بين البيوت المتشابهة على اليمين وعلى اليسار. وحتى لو وجدت مسكناً وأعجبني فمن يضمن لي قوة بنائه، وجودة المواد المستخدمة في تنفيذه؟ إن المساكن المعروضة للبيع منفذة بأسلوب «تجاري»، والمطورون ينفذونها بدرجات جودة متدنية لتحقيق أكبر قدر من الربح.
الآخر: أبداً، حكمك فيه تجنٍّ على المطورين، ليس كل المطورين «غشاشين»، هناك شركات تطوير متخصصة وتعطيك ضمانات على جودة البناء. ثم هل أنت مهندس أو متخصص في البناء؟ وهل تستطيع أن تكون موجوداً أربعاً وعشرين ساعة في الموقع؛ حتى تضمن ألا يغشك المقاولون، وألا يستخدموا مواد بناء رديئة، وأن ينفذوا البناء بأساليب غير سليمة أو صحيحة أو بجودة متدنية؟ وعلى افتراض أنك تمكنت من اكتشاف المشكلات والأخطاء فإنك لن تتمكن من عمل أي شيء عدا أن تدخل في دوامة الخلافات التعاقدية معهم. وفي نهاية المطاف لن تجد من ينصفك ويمكنك من الحصول على حقك، وستستسلم وترضى بالأمر الواقع، وحينها قد تصل إلى قرار أن المسكن غير مناسب، وستفكر حينها في التخلي عنه وعرضه للبيع.
تركتهما ليُتِما نقاشهما المثير، وأنا متعجب من الكم الهائل من المعلومات المتوافرة لديهما عن سوق الإسكان وما يحدث فيها من تجاوزات وأخطاء، ودعوت الله أن يحقق لهما أحلامهما، وأن يحقق أحلام غيرهما من المواطنين.