التفاؤل الذي انقلب إلى تشاؤم: من يخرجنا من الحيرة؟!
التفاؤل - الذي بدأ بعد نتائج الربع الأول - بتحسن الاقتصاد العالمي ونجاح خطة الإنقاذ الحكومية يبدو أنه بدأ يتضاءل ويختفي تدريجياً مع بروز مؤشرات سلبية قد تجعل من عام 2009 أسوأ مما يعتقد. ولن تكون مفاجأة في استمرار ضعف الاقتصاد العالمي حتى في سنة 2010 فارتفاع معدلات البطالة التي قد تتجاوز 10 في المائة في الولايات المتحدة قريباً، وارتفاع معدلات الادخار، مع تشدد البنوك في عملية الإقراض، قد تكون أهم العوامل التي قد تطيل من عمر الركود الاقتصادي لسنوات قادمة يصعب التنبؤ بها فعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي يرى تحسنا في الاقتصاد العالمي في سنة 2010، فإن ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الأسواق العالمية، وانخفاض الدولار وصعوبة التنبؤ بقيمته، مع انخفاض متسارع في أسعار النفط حيث انخفضت بنحو 10 دولارات للبرميل خلال أقل من أسبوعين في دلالة على أن عودة الانتعاش إلى الاقتصاد العالمي قد تحتاج إلى إعادة نظر. وقد لا نستغرب أن تعود الحكومات إلى تبني سياسات إنقاذ أخرى قبيل نهاية الربع الثالث فأنظار المراقبين تراقب أرباح الربع الثاني للشركات، وتراقب ثقة المستهلكين، ومبيعات التجزئة، والقطاع العقاري وخصوصاً قطاع المساكن بنظرة شك وريبة، ما يدعونا إلى الحذر في التعاطي مع القطاع العقاري وسوق الأسهم على حد سواء.
النظرة التشاؤمية السابقة تشمل الاقتصاد العالمي ككل. وهي في الوقت نفسه لا تغفل أن ما يحدث في العالم الآخر بدأ يؤثر فينا بشكل لحظي وليس يومي أو أسبوعي فلا تخلو أية بوابة إلكترونية لصحيفة محلية أو عالمية أو أية بوابة إلكترونية لها بعض الاهتمام بقطاع الأعمال إلا وتتصدر مؤشرات أسعار النفط ومؤشرات حركة الأسواق صفحاتها الأولى في دلالة واضحة على أن الأسواق العالمية أصبحت واحدة حتى وإن اختلفت تواقيت افتتاحها وساعات التعامل والتداول فيها.
وإذا كانت العوامل العالمية تؤثر فينا بصورة لحظية، فإن عوامل داخلية أخرى قد تكون بالفعل القشة التي تقصم ظهر البعير. ولعلي أولى تلك العوامل بوادر ظهور أزمة ائتمان محلية قد تؤدي إلى تآكل أرباح البنوك بشكل متسارع لتمسح ما تحقق من أرباح في سنوات الرواج الأخيرة. ويساند هذا التآكل وصول معظم الشركات المحلية إلى مستويات من معدلات الإقراض المرتفعة مما يقلل من إمكانية إقراضها، ناهيك عن تشدد البنوك في عمليات الإقراض وخصوصاً للشركات العائلية التي تعاني سمة الإدارة التقليدية في إدارة أعمالها، وهي السمة الغالبة في الشركات العائلية لدول الخليج.
إن تشابك هذه العوامل قد يؤدي إلى نمو اقتصادي أقل من المأمول حتى مع زيادة الإنفاق الحكومي فالإنفاق الحكومي - ورغم عزم الحكومة على مزيد من الإنفاق - فإنها قد تجد نفسها محددة بعائدات النفط التي تتراجع بصورة سريعة، مع انخفاض في قيم الاستثمارات الحكومية مع انخفاض واضح في عائداتها. وستجد الحكومة نفسها مضطرة إلى تقليص الإنفاق حتى تحافظ على مستويات معينة من العجز في موازناتها السنوية. ولن أتحدث كثيراً عن تأثير ما سبق في ثقة المستهلكين وثقة الأعمال لعدم وجود إحصائيات حولها. إلا أن مؤشر سوق الأسهم الذي أعده مؤشراً مرجعياً لثقة المستهلكين والأعمال يشير إلى التذبذب الحاد في ثقة المتعاملين فبينما كانت النظرة التفاؤلية تظهر مع بداية الربع الثاني، فإنها سرعان ما أخذت في التراجع مع بداية منتصف العام الثاني فالمؤشر الذي انطلق من نحو أربعة آلاف نقطة حتى تخوم الستة آلاف نقطة بين الربعين الأولين من العام، آخذ في العودة إلى الأسفل مع توارد مؤشرات سلبية ذكرنا معظمها في متن هذه المقالة. وفي اعتقادي أن هناك مؤشرات سلبية قادمة ابتداء من افتعال قضايا الإغراق، إلى البحث عن ملاذ آمن للاستثمار، مع التفكير الجاد من قبل بعض الدول الناشئة في التخلي عن الدولار كعملة احتياط رئيسية.
لذا لم يعد أمامنا الآن إلا الانتظار، ومتابعة المؤشرات التي تحدثنا عن بعضها هنا، فمن الواضح أن صانعي السياسة أنفسهم لم يعد أمامهم خيارات كثيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلا بالانتظار مثلنا، فلعل وعسى أن يحدث أمر آخر قد لا يخطر على بال الجميع لإخراجنا مما نحن فيه من حيرة.