البقالات.. كنوز مهملة على قارعة الطريق!

منذ أكثر من عقد من الزمان ونحن نتحدث عن مشاريع السعودة أو توطين الوظائف في بلادنا، ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش جدلا حول تطبيقاتها سواء في المنشآت الكبيرة أو الصغيرة. هناك من يرى أن الخطوات التي قطعت في هذا الطريق جيدة، وأنها أخذت مع الوقت منحنى إيجابيا تمثل في التركيز على التدريب والتشجيع، كما يحدث مع صندوق الموارد البشرية، في حين أن هناك من يرى فيها فرضا على صاحب العمل الذي يبحث عن الأيدي العاملة الرخيصة.
أيا يكن الرأي.. لنتفق أولا أن الوافدين الذين عملوا في بلادنا قدموا خدمات جليلة وأسهموا في نهضتها مهما تدنت مهنهم، وثانيا أن الحديث عن خلق فرصة عمل للمواطن لا يعني بالضرورة الاستغناء عن الوافدين ما دام الوطن يحتاج إليهم. ودعونا نتفق أيضا على أن فشل مواطنين في التوافق مع متطلبات القطاع الخاص يجب ألا يكون عذرا لوصم جميع السعوديين بأنهم لا يصلحون للعمل في القطاع الخاص، كما أنه لا يعني تسرب واحد أو عشرة أو حتى عشرة آلاف من القطاع الخاص إلى الحكومي أن تعمم هذه الفكرة على البقية، أو يعني ذلك أن القطاع الخاص ليس جاذبا للعمل.
ما يجب أن ندركه أن تطبيقات السعودة قبل عشر سنوات، ليست بمثل ظروفها اليوم، والمهن التي كانت في يوم من الأيام ليست مكانا جاذبا لم تعد كذلك اليوم متى توافرت لها الظروف المواتية.
مثلا قبل عقد من الزمن فشلت سعودة البقالات في بعض المناطق، (علما بأن عدد البقالات حاليا يتجاوز 50 ألف بقالة أغلبها يملكها ويديرها أجانب) لسبب بسيط أننا أردنا سعودة بقالات لا يملكها المواطنون وفرضنا عليهم توظيف سعوديين للتمويه, حتى أن وجودهم بدا شكليا وحتى (مضحكا)، وبعد عدة أشهر عادت الأمور إلى طبيعتها.
لكن في ظل التغيرات الحالية لماذا لا نحاول خلق فرص عمل للشباب من خلال إنشاء بقالات صغيرة جديدة تكون مصدر دخل جيد لهم؟ وما يميز مثل هذه المنشآت, التي ستكون مغرية للشباب في حال طبق مشروعها من خلال برنامج خاص تتضامن فيه وزارة العمل مع صندوق الموارد البشرية والصندوق الخيري وأمانات المناطق أنها موجودة في كل مكان، بمعنى أن فرصة العمل ستكون أكثر قربا للشخص في مكان وجوده في أي مدينة أو قرية في المملكة.
في مثل هذا المشروع يمكن أن يتكفل الصندوق الخيري بكفالة الشباب للحصول على تمويل من كبار تجار الأغذية بمبلغ 50 ألف ريال في البداية مثلا، وكلما سدد المبلغ يمكن منحه كميات إضافية لحين يقوى عوده، وتدور دورته الاقتصادية.
ويمكن أن نساعد مثل هؤلاء الشباب برواتب لمدة عامين من خلال صندوق الموارد البشرية، خاصة أن الصندوق بدأ بمنح رواتب تصل إلى ثلاثة آلاف ريال لمنشآت مشابهة مثل بيع الملابس الجاهزة. ومن المهم لنجاح المشروع المفترض أن يتم إعفاء البقالات الجديدة من دفع رسوم تراخيص البلديات والأمانات والتجارة لإعطائهم فرصة المنافسة أمام البقالات التي يملكها الأجانب وكميزة لأبناء الوطن الذين يبحثون عن مصدر الرزق. أيضا لنجاح مثل هذا المشروع من المهم أن يعطى نموذج موحد (علامة موحدة)، حيث يسهل تعرف المستهلكين على هذه البقالات، وبالتالي فإن لأي شخص يرغب في دعم هذا المشروع المساهمة بالشراء من بقالة هذا الشاب المكافح، على أنه من المهم جدا ضبط أعداد البقالات المدعومة، حيث لا تتكاثر وتؤثر في بعضها بعضا، كما في بقية الأنشطة، فمثلا يشترط ألا يوجد في أي شارع سوى واحدة أو اثنتين على أبعد تقدير.
لنجرب في المرحلة الأولى 20 بقالة في الرياض، ونحرك الأموال الراكدة في الصندوق الخيري, التي تجاوزت المليار ريال دون أن تجد منفذا لمصلحة أبناء الوطن.. فلعلنا في ذلك نفعل خيرا.. ونفتح بيوتا!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي