عدم الاستقرار الذي تحتويه الصين في جنوب آسيا يقلق الهند

فتور العلاقات الهندية ـ الأمريكية بعد الصفقة النووية، وما زامن ذلك من رفع درجة العلاقات الأمريكية ـ الصينية (يشهد على ذلك، الاحترام الذي لقيته هيلاري كلينتون في بكين) أديا إلى تبديد للإيمان الهندي العميق الذي يكنه الناس بشكل خاص، في الصداقة الأمريكية ضد التوسع الصيني، الذي انتشر بصورة مثيرة للرعب في جنوب آسيا، وضد مبدئها المتمثل في إبقاء النزاع الحدودي مع الهند ثنائياً، فإن الصين استخدمت، على المكشوف، وضعها كثالث اكبر مانح في بنك التنمية الآسيوي لمنع قرض للهند قيمته 2.9 مليار دولار، لأن 60 مليون دولار من هذا المبلغ كان يرمي إلى تمويل برنامج للمياه في الولاية الحدودية أروناشال براديش، التي تطالب بها بكين.

ثم أظهرت الصين قبضتها في الباحة الخلفية المباشرة للهند في سريلانكا، وأعلنت في بيان رسمي مكانة "الجوار" مع أنها تبعد محيطاً وبحراً، وحذرت في البيان أنها "تغض الطرف" عن الوضع بعد أن قضى الجيش السريلانكي على القسم الأعظم من نمور تحرير تاميل إيلام، وعندما رفضت الهند تسليح القوات السريلانكية ضد نمور التاميل، بالنظر إلى مشاعر التاميل المحلية والخارجية، تقدمت الصين بسرور، بطائرات نفاثة وأسلحة أخرى، والصين هي القوة التي تقف خلف الرئيس السريلانكي ماهيندا راجاباكشي الذي رفض الحلول المستوردة، أي الحلول الهندية للأزمة العرقية.
كما أن الصين تساند الماويين النيباليين وزعيمهم براشاندا الذي استقال من منصبه كرئيس للوزراء بعد الفشل في تنحية قائد الجيش النيبالي الذي قاوم تغلغل الماويين في الجيش.
وبراشاندا الذي كان قريباً من إعطاء الصين وضع الهند نفسه في نيبال بعقد معاهدة صداقة، هاجم الهند لمساندتها قائد الجيش النيبالي، وإذا لم تنجح الهند في تهدئة الماويين، فإن الصين ستعطيهم كل تشجيع على القتال والعنف فيما عدا البدء من جديد بحرب أهلية، "فاحتواء عدم الاستقرار" يناسب نموذج الصين للنمو الداخلي المتمثل في "تنمية سلمية"، بينما توجه طاقتها لزعزعة قوى صاعدة مثل الهند، وقد تصبح الصين حازمة بشكل علني ضد الهند في جنوب آسيا لأن الحاجز الباكستاني الذي بنته بأسلحة نووية وصواريخ باليستية سيقع في أيدي طالبان.
إن مصير الهند يقع دائماً عبر المحيط الهندي وكونها قوة بحرية، لكن تم احتواؤها في جنوب آسيا طوال أيام الحرب الباردة نتيجة جبنها وتخلفها، وبواسطة المحور الصيني الباكستاني ـ الأمريكي. وقبل نحو عقد من الحرب الباردة أقدمت الهند على خطوات لتحسين وضع سلاحها البحري، لكنه لا يزال أصغر أسلحتها الثلاثة، ومن خلال تجربة نووية، أعلنت مكانة قوة أسلحتها، لكن استقلالها الاستراتيجي والذي لم يكن تموضعاً بل كان سبب بقائها ونموها قد تم التفريط به بالصفقة النووية المدنية واتفاقيات التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة.
وإلى جانب ذلك فإن الهند قد تم إغراؤها بالاعتقاد في أيام إدارة بوش السابقة، أن أمريكا ستجعل الهند قوة كبرى، مع أن الولايات المتحدة حنثت بوعدها عند اختبار حصول الهند على عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، وفضلت حليفتها القديمة، اليابان.
إن إدارة أوباما، من إحدى النواحي، تحرر الهند من أفكارها المغالى بها حول صداقة حكومة بوش فالانخراط مع الهند ليس أولوية لدى الرئيس باراك أوباما، لكن حل الأزمة الأفغانية الباكستانية لانسحاب أمريكي مبكر، وتشجيع الصين حتى لا يخرج تعافي أمريكا الاقتصادي عن مساره، يشكلان أولوية، ويشك أوباما في أن الولايات المتحدة قريبة من امتداد استعماري، وأوروبا الناتو لا تشكل أي فائدة.
وهذا يعني، من بين أمور أخرى، التغلب على الشكوك الأمريكية في الصين، فإن أمريكا ستسمح بالتوسع الصيني الاستراتيجي في مناطق يمكن أن تكون مفتوحة للمصالح الأمريكية القصيرة والمتوسطة المدى. ومن سوء حظ الهند اللعين أن المحيط الهندي صدف أنه إحدى تلك المناطق.
رئيس القيادة الباسيفيكية الأمريكية، الأميرال تيموثي كيتنج، قال لنيودلهي الغاضبة قبل أسبوعين إن الصين مرحب بها في المناورات البحرية السنوية الهندية الأمريكية، مالابار، وأن أمريكا راضية عن المرافق الصينية لرسو سفنها في سريلانكا والمالديف، وقال كيتنج: "إننا لسنا مع تقسيم المحيط الهندي إلى مناطق نفوذ لكننا نتحدث بالنسبة إلى التعاون والمشاركة في أفضل الأعمال".
ومع إعادة انتخاب حكومة مانموهان سنج في الهند، فإن ردود الأفعال القديمة إزاء وداعة حقبة جورج دابليو بوش يتوجب تكييفها مع البرود النسبي لباراك أوباما، فخلال نهاية الأسبوع، تم تذكير السفير الهندي الجديد لدى الولايات المتحدة، ميري شانكار، أن الولايات المتحدة بذلت كل جهدها من أجل الصفقة النووية وعليها أن تمضي قدماً نحو البروتوكول الموعود لإعادة المعالجة، لكن شانكار قد يتحدث وراء الأبواب المغلقة لأن احتمال استيلاء طالبان على الأسلحة النووية الباكتسانية (ناهيك عن التجربة النووية الكورية الشمالية) تدفع أوباما بقوة نحو أهداف عدم الانتشار النووي، ولن تفاجأ إذا طلبت أمريكا والصين والقوى النووية الثلاث الأخرى المعروفة بالتزام هندي محدد بالانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي، وهو التزام لا يمكن للهند أن توفره.
وبكلمات أخرى فإن حكم الظروف تدفع الهند، مرة أخرى لتبني رؤيتها التي جربتها مع الزمن، للاستقلال الاستراتيجي، فبالنسبة إلى حكم المحيط الهندي، ولدى الظهور كقائد لا منازع له لجنوب آسيا، وبالنسبة إلى كسب الأصدقاء والتأثير في دول جنوب شرق آسيا (ولا سيما سواحل مضيق ملكا) وغرب آسيا وإفريقيا، وبالنسبة إلى ضمان مكانتها السليمة على خريطة القوى الكبيرة، فإن على الهند أن تلجأ إلى عبقريتها وتصميمها وجرأتها، وهذا هو أكبر اختبار لحكومة مانموهان سنج، والفشل فيه ليس خياراً، ولسبب واحد فإن قفاز التحدي هو ضد الصين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي