مساكن من أكياس الرمل!

ألمحت في مقالة الأسبوع قبل الماضي إلى أهمية اختيار وتطوير أساليب البناء وتقنياته ومواد التشييد التي تمكِّن الأسر الفقيرة في المناطق الريفية والنائية من المشاركة في بناء مساكنها، وذكرت في سياق المقال بعض الأمثلة لتقنيات بناء المساكن المبسطة من المواد الصناعية أو الطبيعية، رداً على تعليق أحد القراء بأني أدعو إلى بناء مساكن من الكرتون أو الصفيح للأسر الفقيرة، كما أشرت إلى تقنية بناء المساكن بأكياس الرمل، وأنها حديثة نسبياً، ولا يزيد عمر تطبيقها على عشر سنوات، على الرغم من أن أكياس الرمل قد استخدمت منذ القدم بوصفها منشآت لحجز فيضانات الأنهار في جميع أنحاء العالم، واليوم سأعرض عليكم مميزات البناء بهذه التقنية.
يتميز البناء بأكياس الرمل بمزايا متعددة؛ فهو رخيص التكلفة لأن الرمل متوافر على نطاق واسع في أكثر مناطق العالم، وهو يغطي المملكة (ولله الحمد)، ولا يتطلب استخدامه أي معالجة مسبقة، ولا يكلف أكثر من قيمة الأكياس المصنوعة من مادة "البولي بروبيلين" غير المنسوج (وهي بالمناسبة من منتجات البتروكمياويات المتوافرة لدينا)، كما أن البناء بأكياس الرمل حل مناسب من الناحية البيئية، ويوفر الراحة الحرارية للسكان، فالمسكن يكون بارداً صيفاً ودافئاً شتاءً بسبب الكثافة النوعية للحوائط الرملية، بالإضافة إلى أنه مناسب لجميع المناطق؛ الريفية منها والنائية، حتى التي لا تصلها الطرق المعبدة؛ لأن سيارات النقل الصغيرة (من نوع "الونيت" أو "الشاص") تستطيع نقل من ألف كيس إلى ألفي بكل سهولة في كل مرة، كما أن أسلوب البناء بأكياس الرمل سهل وخالٍ من التعقيدات، ولا يتطلب عمالة ماهرة ومتخصصة ذات تكلفة عالية، وهو ما يجعل تدريب الراغبين في المشاركة من المستفيدين أو المتطوعين يتم خلال فترة قصيرة لا تزيد على بضعة أيام، حتى مع انعدام الخبرة السابقة لديهم، وبما أن أكياس الرمل خفيفة ولا يزيد وزنها على سبعة كيلوجرامات فإن المشاركة تصبح متاحة كذلك لكل أفراد الأسرة. وإذا اتفقنا على أن الوقت له قيمة أيضاً فإن سرعة تنفيذ المسكن بهذه الطريقة تجعله أقل تكلفة. وفي حالة انتهاء بناء الحوائط وتركيب الأسقف، ومعالجة الحوائط و"تلييسها" بالطين المخلوط بالتبن، أو غيرها من مواد الإنهاء التي ستلتصق بشكل جيد بمسام الأكياس؛ فإن المساكن تظهر – بعد ذلك - مثل المساكن المنفذة من مواد البناء الأخرى.
فهل تتكرم الهيئة العامة للإسكان بتبني أساليب لتمكين الأسر الفقيرة - خصوصاً في المناطق النائية - من المشاركة في توفير مساكنها، أو تبني غيرها من أساليب التمكين، عوضاً عن تركها فقط تنتظر في العراء، أو في كهوف وعشش وصنادق رديئة وغير آمنة إلى أن يتم تقديم المسكن لها، (والله وحده أعلم إن كان هذا سيتم، ومتى)؟ وهل تعمل أيضاً على تشجيع المجتمع بجامعاته ومؤسساته وأفراده، ودعمهم لتقديم أفكار لبدائل وتقنيات ومقترحات مبدعة تمكِّن الأسر من المشاركة في توفير مساكنها؟ إنني أتساءل رغبة في توفير المأوى الآمن والصحي والملائم للآلاف من الأسر التي تعيش على انتظار "أن يجيئها الربيع"! فهل من حراك؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي