رود .. ما زال في حاجة إلى دروس في الاستراتيجية من الحلفاء الآسيويين
خلال نهاية الأسبوع، حظي رئيس الوزراء الأسترالي كيفن رود بشرف إلقاء الخطاب الرئيسي في الاجتماع السنوي لحوار شانجري – لا، في سنغافورة، وربما كان عرضاً ممتازاً للسلام، لأن رئيس الوزراء رود أثار بعض الانزعاج في المنطقة في العام الماضي، بطرح مجموعة آسيوية باسيفيكية على غرار الاتحاد الأوروبي، كطريقة للتقدم - وهو أمر قوبل بثناء شديد في بكين لكنه رفض بشكل شامل من قبل الدول الآسيوية الرئيسية الأخرى، ومن قبل القوة العظمى الأمريكية.
وفي هذه المرة، وبإظهار أنه متعلّم سريع، تراجع رود عن أي خطة "خيالية". وتحدث بدلاً من ذلك، بلغة المنطقة بالدعوة ببساطة إلى حوار أكثر شمولية وهيكلية حول عدد من الأمور الأمنية والاقتصادية لكن من ناحية مهمة فإن رئيس الوزراء الأسترالي يثبت أنه ما زال خارج السياق مع المنطقة، فرئيس الوزراء رود يعتقد أن الافتقار الحالي للمؤسسات متعددة الجنسيات القوية في المنطقة يعني أن آسيا ما زالت "كسولة بينما تتطور المنطقة ببساطة دون أي إحساس بالهدف الاستراتيجي". والمنطقة تغط في عقلية تتصف "بانحراف استراتيجي".
في الحقيقة إن رئيس الوزراء الأسترالي، وليست الدول الآسيوية في المنطقة، هو الذي يعيش في الماضي، فآسيا تنفذ خطة استراتيجية واضحة جداً في معظم سنوات العقدين، والخطة ماهرة - وربما تكون أمهر من أن يدركها رود – ووجود مؤسسات متعددة الجنسيات ضعيفة وليست قوية، كانت سياسة مقصودة وكما أشار رئيس الوزراء الأسترالي على صواب، فإن المنطقة مرنة ودينامية، ومخاطر الصراع حقيقية، والتركيبة الإقليمية الممتازة والمقامة من الأعلى إلى الأسفل - وهو ما يستحوذ على رود - غير مستدامة في مثل هذه البيئة، والآن يتعلم رئيس الوزراء الأسترالي التحدث بلغة المنطقة، ويمكن أن يحسن صنعاً في الملاحظة بشكل واع والتعلم منها.
من أين يجيء رئيس الوزراء رود؟ إن التفكير الأسترالي الحالي يفترض أمرين: أولهما أن آسيا تندفع بتهور نحو دول متعددة الأقطاب (لفيف يميزه ظهور عدة دول بقوة متساوية تقريباً)، والآخر أن آسيا غير مستعدة لهذا الوضع.
وفي الحقيقة فإن كلتا الفرضيتين غير صحيحتين.
فبادئ ذي بدء، لا تندفع آسيا بتهور نحو دولة متعددة الأقطاب، فآسيا متعددة الطبقات وليست متعددة الأقطاب. والصحيح أن القوة الأمريكية في تراجع نسبي، لكن أمريكا تظل القوة المهيمنة لعقود قادمة، بأي مقياس حتى مع صعود الصين والهند، وعلاوة على ذلك في أمريكا لم تكن قوة مهيمنة فعلاً بمعنى أنها تعتمد على تعاون الدول الأخرى لتظل مهيمنة، ومثال ذلك، فإنه بدون تعاون حلفاء مثل اليابان وسنغافورة والفلبين لا يمكن لأمريكا أن تحتفظ بمواقعها العسكرية المتقدمة في غرب الباسفيك، والحارس الأمريكي ليس بتلك القوة بحيث تستطيع أمريكا أن تتجاهل رغبات شركائها الحاليين، وبكلمات أخرى، فإن التسلسل إجماعي، وطالما قامت أمريكا بدور المحامي النهائي وتوافر السلع العامة، ليس هنالك أي سبب يدعو الدول الإقليمية لإيجاد التوازن ضد أمريكا. ومما لا شك فيه، فإن آسيا منذ الحرب العالمية الثانية تتصف "بعدم التوازن" مقابل أمريكا، الأمر الذي يجده بعض المعلقين شيئاً غريباً.
ثانياً، هذا الترتيب الهرمي يتميز بكفاءة هائلة من حيث استيعاب صعود القوى الأخرى مثل الصين. يُنظَر إلى الصين الآن على أنها قوة شرعية لأنها اختارت الصعود ضمن الهيكل الهرمي، وإن كان ذلك على غير رغبة منها. ستتألف الطبقة الثانية من القوى في آسيا من الصين واليابان وربما الهند. هذه القوى الآسيوية الثلاث الكبرى، التي تصعد الآن ضمن هيكل هرمي أنشأته البلدان الآسيوية، تفرض قيداً هيكلياً على بعضها بعضاً. الأمر المهم تماماً في هذا المقام هو أن الصين أثناء صعودها فإنها بحاجة إلى أن تفعل ذلك ضمن النظام الموجود حالياً والذي يقوم على التنافس المنضبط والأعراف الإقليمية والعمليات الأخرى.
هذه كانت هي الخطة دائماً، أي الإشراك الاجتماعي للصين. وهذا يعد بديلاً مبتكراً للخيارات التقليدية مثل التوازن الفج أو الحصر في إطار معين. إن إشراك الصين في آسيا، وهو ما ينطوي عليه التسلسل الهرمي، يعني أن تكلفة التمرد المباشر ستكون مرتفعة فوق الحد. هذه الاستراتيجية الفخمة التي تقوم على "إشراك الصين" من خلال استخدام الإطار الهرمي تتمتع بميزة، وهي أنها تقيد طموحات بكين دون محاولة احتواء الصين أو الضغط عليها وإبقائها تحت السيطرة. لأن القيام بذلك سيجعل بكين تشعر بالاستياء الشديد وتحرم المنطقة من المنافع الاقتصادية التي تعود عليها حين تكون الصين قوة صاعدة.
هذا النوع من "التحوط" ضمن النظام الهرمي غير الرسمي في آسيا هو أفضل بكثير من قيام القوى الآسيوية بأن تشق لنفسها نطاقات للنفوذ (وهو أمر مستحيل لأنها هذه النطاقات ستتضارب فيما بينها)، وأفضل من إعطاء صيغة شكلية لتوجه حاسم نحو الاعتراف بوجود تشكيل متعدد الأقطاب على نحو صريح، وهو أمر سيكون دلالة على عدم النضج.
هنا يأتي دور فضيلة المؤسسات متعددة الأطراف الضعيفة. وراء الحديث عن قواعد الانخراط والتعامل، هناك حاجة إلى عصا كبيرة وعواقب خطيرة بالنسبة عدم الالتزام. المنتديات متعددة الأطراف القائمة حالياً هي قوية إلى حد يكفي لتشجيع العمليات التي تنشئ الثقة بين الأعضاء، ولكنها ليست جامدة على نحو يجعلها تقف في وجه الأعضاء الراغبين في الدخول في اتفاقيات موازية في سبيل تعزيز أمنها الخاص، أي التحالفات التي كانت حتى الآن مهمة تماماً في ضبط الطموحات الصينية. كذلك ليس من المستغرب أن معظم البلدان الآسيوية ترفض النداءات المتواصلة من الزعماء الذين على شاكلة رود لإنشاء هيكل معماري أمني متعدد الأطراف يتسم بقدر أكبر من الشمول والإلزام.
هذه المؤسسات والعمليات متعددة الأطراف والضعيفة، في منطقة تتكئ على الهيمنة الأمريكية، خلقت لعدة عقود بيئة مسالمة بصورة لافتة للنظر، وهي تتعامل بصورة طيبة مع صعود الصين والهند. رغم النوايا الحسنة، فإن رئيس الوزراء الأسترالي رود بحاجة إلى أن ينضم إلى الركب.