رئيس المجلس ورئيس الأعضاء

عندما تلتئم مجالس الإدارة لا بد أن يتولى إدارة أعمالها وتنظيم مداولتها رئيس محدد إما بالانتخاب من الأعضاء وإما بالتعيين من سلطة أعلى, وفي الغالب ليس للرئيس صلاحيات تفوق صلاحيات المجلس أو أي من أعضائه سوى ما ينص عليها النظام الذي في العادة لا يعدو جدولة الأعمال المطروحة وترتيب طرحها وإدارة الحوار وتوقيت التصويت على القرارات, فيما عدا ذلك فهو متساو مع باقي الأعضاء في المسؤولية والصلاحية, ولكن يميل بعض رؤساء المجالس إلى اختزال أدوار بقية الأعضاء في شخصه.
في كتابه "الإدارة والميكافيلية" يقول أنتوني جاي "لا يمكن تجنب دور الرئيس, فالشرف والفخر لا زمان لهما, والكل يطمح ويسعد بأن يكون رئيسا لشيء ما, وهذا يمثل ثلاثة أرباع المشكلات", هذا الكلام حقيقة إلى اليوم, فكثير من الذين يتبوأون سدة الرئاسة في مجالس إدارة الشركات, يجدون أنفسهم ملزمين بلعب دور يفصلونه حسبما عهدوه ممن سبقهم, وما يتفق مع التطلعات الشخصية للسيطرة والمفاهيم المستقرة في عقولهم حول دور الرئيس, وهؤلاء يميلون إلى لعب دور مركزي, بحيث يختزلون المجلس في شخوصهم, فما يجب أن يعرض على المجلس من أعمال, لا بد أن ينال موافقتهم ابتداء, ويستأثرون بالانفراد بتوجيه الإدارة التنفيذية واستخلاص المعلومات التفصيلية عن المهام التي تقوم بها, ثم إن الرئيس من ذلك الصنف يميل إلى التأثير في القرارات التي اتخذها المجلس عندما يتدخل بتوجيه الرئيس التنفيذي وبصورة فردية لترجمتها إلى خطط عملية حسبما يريد, كل هذا مع تقمص دور والدي حال انعقاد جلسات المجلس, فيستأثر بمعظم الوقت لطرح تصوراته التي هي توجيهات للمجلس لاعتمادها, وعندما يسمح لعضو آخر بعرض ما لديه, يقاطعه ويستخف برأيه, إن لم يتفق مع توجهاته, وربما تعدى عليه بالاستهزاء والسخرية, ويتقوى على باقي الأعضاء بما يستفرد بمعرفته من أعمال ونشاطات الشركة فتجد الأعضاء في المجلس مستسلمين لاستنتاجاته وتوجيهاته بحكم نقص المعرفة والاطلاع.
لا شك أن البعض يظن أن هذه الصورة النمطية لرئيس مجلس الإدارة في بعض الشركات مبالغ فيها, والواقع أنها ربما لا تنطبق بجميع سماتها على معظم رؤساء مجالس الإدارة, ولكن هناك سيادة لسمة أو أخرى, خصوصاً عملية اختزال سلطات المجلس في شخص الرئيس, ونظام الشركات صريح في توصيف صلاحيات ومسؤوليات مجلس الإدارة بحيث لم تعد هناك حاجة إلى الاجتهاد إلا فيما ندر من الحالات, والتي يقوم فيها المجلس بتفويض صلاحية تمثيل المجلس ولغرض محدود ولفترة وجيزة لعضو في المجلس قد يكون رئيسه, وما عدا ذلك يعد المجلس شخصية اعتبارية يتضامن الأعضاء بمسؤوليتها تجاه المساهمين والموظفين والعملاء ولا يجوز لهم التخلي عن تلك المسؤولية لاستئثار رئيس المجلس ببعض الصلاحيات الخاصة التي ربما من خلالها يحمل الشركة التزامات أو ديونا حتى إن كان يمثل ملكية معظم الأسهم, فالواجب على كل عضو في المجلس أن ينطلق من شعوره بالمسؤولية ويعرض ما يتفق مع استقرار ضميره عليه من تحسس للمصلحة ولا يكون إمعة يحضر لإكمال نصاب العدد.
إن ضعف أداء بعض الشركات المساهمة يعزى لضعف التوجيه الاستراتيجي للشركة سواء أداء الإدارة التنفيذية وتدخل المجلس أو بعض أعضائه في الإدارة التنفيذية من خلال اللجان التي تكون لذلك في كل الحالات مرد ذلك لسوء تكوين مجلس الإدارة ويكون ذلك إما بضعف المكون المعرفي والخبراتي لأعضاء المجلس وإما بضعف العلاقة التكوينية للمجلس كمحصلة لخبرات ومعارف الأعضاء, فأهم أدوار المجلس تكمن في صياغة توجه استراتيجي للشركة تطمح من خلاله إلى تحقيق إنجازات ملموسة خلال فترة زمنية مرسومة, ونتيجة لذلك لا بد من اجتهاد المجلس في البحث وإيجاد القيادات التنفيذية القادرة والمصممة على تحقيق تلك الاستراتيجية. والدور الثالث الأهم هو بناء منظومة التمكين التي من خلالها يستطيع المجلس أن يراقب ويقيم تنفيذ تلك الاستراتيجية, وتبعاً لذلك يكوّن المجلس لديه استعدادية بالتدخل السريع عندما يلم بالشركة كارثة أو تنحرف قاطرتها عن سكة الاستراتيجية المرسومة.
إن وضع مجلس إدارة فاعل ومحقق لتطلعات المساهمين والموظفين والعملاء والموردين الذين في مجملهم يمثلون المنتفعين من كيان الشركة مسؤولية تقع على عواتق المساهمين والمساهمين الكبار منهم على وجه الخصوص, فكون المساهم الكبير يميل إلى استخدام قوته التصويتية في إيصال شخص محدد لعضوية مجلس الإدارة فهو ملزم أخلاقياً وشرعياً بتوخي الدقة في اختيار الشخص الذي يعتقد بصلاحيته لذلك من حيث قدرته وحكمته وفراغه, لا أن يتحرى الشخص الذي يكون له مخبر عن أعمال الشركة وماليتها بحيث يستأثر بمعلومات دون باقي المساهمين, فذلك من باب غبن الآخرين وسوء الذمة. كما أن التخلي عن الحق في اختيار الشخص المناسب بتفويض شخص آخر أو تجيير حق التصويت إلى شخص آخر فيه إهمال لذلك الحق وتخل عن المسؤولية الأخلاقية والأدبية لمن قد لا يصونها بالضرورة. إن لب هذا الحديث هو أن الإصلاح يبدأ من المساهمين الكبار, فبهم يستقيم اختيار أعضاء مجلس الإدارة الذين يحسنون الإدارة بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي