وزارتان .. الأولى على الأرض والثانية في المريخ

لا يفصل وزارة المياه عن وزارة الزراعة إلا عدة كيلومترات، ولكن من يتابع تصريحات الوزراء في الصحف يعتقد أن إحدى الوزارتين على الأرض والثانية في المريخ، مع احترامي الشديد للوزارتين ومنسوبيها ووزيريها، إلا أن الشيء الوحيد الذي يجمعهما (إضافة إلى لقب الوزير) هو التصريحات المتضاربة.
وزارة الزراعة تشجع الزراعة وتمنح التصريحات، والبنك الزراعي يدعم المزارعين ويقرضهم بلا فوائد، وتدعم الوزارة الأعلاف وزراعتها، فيما تحذر وزارة المياه من أزمة مياه مقبلة أحد أهم أسبابها الاستخدام الجائر للمياه الجوفية.
أتفهم تماماً حرص وزارة المياه على ترشيد استهلاك المياه على جميع الأصعدة فهي أرخص موجود وأغلى مفقود، وعند الحاجة إليها لن تفيدنا الرفاهية الزراعية التي تقوم بها بعض الشركات الزراعية، والتفريط الحاصل في الثروة المائية يعد خطأ استراتيجيا في حق الأجيال المقبلة، التي ستقول ما تقول مستقبلا بحق من فرط في أبسط ثروة لهم وهي المياه.
وفقا لتصريح وزير المياه الأسبوع الماضي فقد تم سحب 460 مليار متر مكعب من المياه خلال السنوات الثلاثين الماضية، رقم فلكي بجميع المقاييس إنه 460 مليار متر مكعب، تسحب من أكثر الأراضي الصحراوية في العالم، ووزارة المياه تنادي بأعلى الصوت منذ تولى وزير المياه منصبه .. تنادي بالمحافظة على الثروة المائية في المملكة، ولكن لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي.
وفي المقابل تستحق وزارة الزراعة لقب "وزارة التخبط" وطبعاً ينافسها على هذا اللقب كثير من الوزارات الأخرى، أسهم في حصول وزارة الزراعة على هذا اللقب كثير من القرارات المتضاربة على مدار 30 عاماً ورطت الوزارة فيها المواطنين في الاستثمار الزراعي، حيث أقرت سياسة زراعة القمح تحت حجة المخزون الاستراتيجي والأمن الغذائي، وتم تحفيز المستثمرين من المواطنين وتشجيعهم بشراء كيلو القمح بثلاثة ريالات (وهو أعلى من سعر البيع للمستهلك)، وقام كثير من المشاريع الزراعية على هذا الأساس واقترض المواطنون من البنك الزراعي مئات الملايين بناء على دراسات اعتمدت على الاستراتيجية التي أقرتها وشجعتها الدولة ممثلة بوزارة الزراعة آنذاك.
وبعد عدة سنوات خفضت الوزارة سعر شراء كيلو القمح إلى ريالين، ثم إلى ريال !! ولم تكتف الوزارة بذلك بل استمرت في أيام الشدة تقتطع قروض البنك الزراعي التي أقرضتها المواطنين أيام الرخاء من متحصلاتهم من القمح، ثم جاءت الطامة الكبرى عندما بدأت الصوامع تؤخر مستحقات المزارعين أشهرا امتدت إلى سنوات !!
وزارة الزراعة لا تنكر أن هناك استنزافا للمياه، ولكنها كما تقول حريصة على المستثمرين، مع أن أيام الشدة أثبتت أنها لا ترحم أحداً ولا تحرص على أحد، ولا أعتقد أن هناك وقتا أفضل للتصحيح من هذا الوقت حيث الفوائض المالية وفيرة ولله الحمد، والميزانية السعودية في أفضل حالاتها، فلماذا لا نتخذ قرارات التصحيح الآن؟
الأمن الغذائي ممكن بصور عديدة ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك عن طريق الزراعة في أراضينا الصحراوية، أو بتصدير المياه للدول المجاورة، على شكل ألبان وعصائر وخضراوات وأعلاف إضافة إلى المياه الجوفية الصافية.
ألا يمكن أن يتم الحفاظ على الأمن الغذائي بالاتفاق مع الدول العربية الغنية بالموارد المائية والفقيرة للموارد المالية، مثل السودان .. وذلك بأن يتم استئجار أو استثمار مساحات ضخمة من الأراضي القابلة للاستصلاح الزراعي على ضفاف النيل بما يعادل المساحات الزراعية في المملكة، ويتم تجهيز البنية الأساسية فيها، إضافة إلى إنشاء الخطوط البرية إلى البحر الأحمر للشحن، وبناء ميناء بحجم ضخم لتصدير المنتجات الزراعية إلى موانئ المملكة، ونكتفي في المملكة ببناء المستودعات والصوامع، إضافة إلى تشجيع المنتجات الزراعية التي تعتمد على المياه السطحية أو الأمطار.
لماذا لا يتم تعويض المزارعين عن أراضيهم واستثماراتهم الزراعية وإيقاف هذا النزيف، لماذا لا تقوم الدولة بعلاج هذا الأمر من جذوره، تستطيع الدولة بأن تشتري جميع المشاريع الزراعية التي تستنزف المياه عن طريق زراعة الحبوب والأعلاف وكذلك مشاريع الألبان، ونقلها إلى أراضي مناسبة لها، وإيقاف أي مشاريع جديدة.
بصراحة نريد أن نشرب الماء لا أن نزرع الورود، لن نستفيد من سمعة البلد الزراعية إذا كان المواطنون يقفون في طوابير يشحذون حفنة من الماء "وبفلوس"، باختصار نريد أن نعيش حتى لو عدنا إلى الحليب المجفف بدلا من حليب البقر منزوع الدسم، حتى لو عدنا إلى الخروف الأسترالي بدلا من النعيمي المحلي، الأهم أن نجد ماء لنعيش.
هل نتوقع من وزيري المياه والزراعة أن يعقدا مؤتمراً ولو في المريخ ليتفقوا على سياسة موحدة لاستهلاك المياه في الأراضي الزراعية، هل يمكن أن تحدث المعجزة ويتفق الوزيران على استراتيجية وطنية ثابتة ومعلنة للتعامل مع المياه؟ إذا لم يتفقوا وهم الوزراء فكفانا ضجيجاً نحن المواطنين ؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي