أسعار النفط فوق 100 دولار؟
ارتفعت أسعار النفط في الفترات الأخيرة حتى وصلت إلى 70 دولارا للبرميل. وتضاربت الآراء حول أسباب الارتفاع الذي جاء أبكر مما توقعه المحللون، وأجبر بعض المحللين على تعديل توقعاتهم لأسعار النفط في عامي 2009 و2010. وكان بعض مسؤولي "أوبك" وعدد كبير من المحللين أشاروا إلى أن أساسيات السوق لا تدعم الأسعار الحالية، خاصة أن مستويات المخزون في الدول المستهلكة ارتفعت إلى مستويات تاريخية.
ولكن لو نظرنا إلى أساسيات السوق، ممثلة في العرض والطلب، ماذا نجد؟ رغم اختلاف توقعات الهيئات المختلفة إلا أن العرض أصبح، أو سيصبح قريبا بناء على بعض التوقعات، أقل من الطلب حتى دون أي انتعاش اقتصادي، الأمر الذي ينتج عنه استمرار انخفاض مستويات المخزون ممثلة في عدد الأيام التي يغطي فيها المخزون التجاري الاستهلاك في الدول الصناعية. وإذا شهد النصف الثاني من العام الحالي انتعاشا اقتصاديا فإن مستويات المخزون ستنخفض بشكل كبير، وستضطر "أوبك" إلى زيادة الإنتاج في نهاية الصيف. هذا يعني أنه في حالة الانتعاش الاقتصادي سينخفض المخزون وستنخفض الطاقة الإنتاجية الفائضة في دول "أوبك" في الوقت نفسه. أليست هذه أساسيات السوق؟ وإذا أضفنا إلى ذلك انخفاض إنتاج النفط النيجيري والإكوادوري والمكسيكي وتوقع انخفاض إنتاج النفط الروسي، نجد أن العرض سيكون أقل من الطلب. أليست هذه أساسيات السوق؟ إن دخول المضاربين السوق في الفترات الأخيرة يعكس قناعتهم بما ذكر أعلاه. هذا يعني أنهم يتوقعون ارتفاع الأسعار للأسباب السابقة فدخلوا السوق للاستفادة منه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل سترتفع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار مع انتعاش اقتصادات الدول الصناعية؟ الجواب لا، وذلك لأسباب عديدة منها توافر طاقة إنتاجية فائضة، خاصة في السعودية، التي أعلنت أن السعر العادل هو 75 دولارا للبرميل, كما أن دول "أوبك" الأخرى ستتجاهل حصصها الإنتاجية مع ارتفاع الأسعار وستقدم كميات إضافية من النفط إلى الأسواق العالمية. ومن هذه الأسباب أيضا قناعة التجار والمحللين أن حكومة الرئيس أوباما، وعلى عكس مواقف حكومة بوش، لن تتردد لحظة واحدة في استخدام الاحتياطي الاستراتيجي إذا ارتفعت الأسعار فوق 80 دولارا للبرميل. وبإمكانها إذا أرادت بيع كميات تتجاوز مليون برميل يوميا خلال شهور الصيف كلها, حيث إن الاحتياطي الاستراتيجي يحتوي على 700 مليون برميل تقريبا، الذي يعني أنه يمكن استخراج مليون برميل إضافية يوميا ولمدة عامين تقريباً. وإذا توقفت صادرات النفط إلى أمريكا تماماً فإن الاحتياطي الاستراتيجي يعوض عن ذلك لمدة شهرين، دون أي تخفيض في الاستهلاك.
إضافة إلى ذلك فإن الانتعاش الاقتصادي لن يعيد الاقتصاد العالمي إلى ما كان عليه لفترات طويلة، فقد خسر العالم ثروات ضخمة بلغت مئات المليارات من الدولارات، واختفى عدد من كبار البنوك الاستثمارية، (والتي اتهمها البعض بأنها أسهمت في رفع أسعار النفط بسبب المضاربات)، وأفلس عديد من الشركات، بما في ذلك كبريات شركات السيارات الأمريكية. ما تبقى من البنوك والشركات، بما في ذلك شركتا كرايزلر وجي إم الجديدتان، ستكون أصغر بكثير مما كانت عليه. لقد اقترب مستوى البطالة في الولايات المتحدة من 10 في المائة، ولن تنخفض عن هذه المستويات بشكل كبير إلا بعد عدة سنوات من الآن.
توقعات الأسعار لعامي 2009 و2010
أعلن بنك جولدمان ساكس الاستثماري في الأسبوع الماضي أنه قام بتعديل توقعاته لأسعار النفط صعوداً حيث يتوقع البنك أن يكون متوسط سعر نفط غرب تكساس 75 دولارا للبرميل في النصف الثاني من العام الحالي، بعد أن كان 52 دولارا للبرميل، متوقعاً أن تصل الأسعار إلى 85 دولارا في نهاية العام الحالي. كما قام البنك برفع توقعاته لأسعار النفط في عام 2010 من 65 دولارا سابقاً إلى 95 دولارا للبرميل. وكان متوسط سعر خام غرب تكساس في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام قد وصل إلى 46 دولارا للبرميل.
ويتوقع خبراء "ميريل لينش" أن يصل متوسط سعر نفط غرب تكساس إلى 61 في نهاية العام الحالي، ويحذرون من أن وصول أسعار النفط إلى 70 دولارا سيهدد انتعاش الدول الصناعية، بينما لن تتأثر اقتصادات الدول النائشة إلا إذا تجاوزت الأسعار 90 دولارا للبرميل.
بشكل عام فإن غالبية الخبراء يتوقعون أن يكون متوسط السعر عام 2009 نحو 50 دولارا للبرميل، ويتوقعون أن تكون الأسعار في نهاية العام أعلى من أوله بشكل ملحوظ. كما يتوقعون أن يكون متوسط الأسعار في حدود 70 دولارا عام 2010. وبما أن غالبية هذه التوقعات تمت في الأسابيع الأخيرة قبل ارتفاع الأسعار الأخير في الأيام الماضية فإنه يتوقع أن يقوم غالبيتهم بتعديل توقعاتهم صعودا خلال الأيام المقبلة. ويوضح الرسم البياني المرفق توقعات أسعار النفط لعدد من الهيئات والبنوك المختلفة لعامي 2009 و2010، علما بأنها كلها لخام غرب تكساس. وهنا لا بد من التنويه مرة أخرى إلى أن أغلب هذه التوقعات تمت في الأسابيع الماضية ويتوقع أن تتغير صعودا كما فعل بنك جولمان ساكس في الأسبوع الماضي.
ملاحظة أخيرة
لقد كان للسعودية دور كبير في جعل العرض أقل من الطلب عن طريق تخفيضها الإنتاج الذي بدأ يخفض مخزونات الدول الصناعية التي ارتفعت إلى مستويات تاريخية. ولكن ارتفاع الأسعار لا يعود إلى ذلك فقط، وإنما إلى أمور أخرى منها معدلات النضوب الطبيعية في آبار النفط التي تخفض الإنتاج تدريجيا حول العالم، وانخفاض الاستثمار في الصناعة على مستوى العالم الذي يعد من المتطلبات الأساسية ليس لزيادة الإنتاج فقط، وإنما لمجابهة النضوب في الحقول. المشكلة أن تخفيض الاستثمار يعني أيضا ارتفاع معدلات النضوب عن مستواها الطبيعي، الأمر الذي يعجّل بانخفاض إنتاج النفط وإعادة التوازن إلى أسواق النفط، حتى لو كان هناك انتعاش اقتصادي، ولم تقم السعودية أو غيرها بتخفيض الإنتاج بكميات إضافية عما خفضته في السابق. باختصار، معدلات النضوب وانخفاض الاستثمار كفيلان برفع أسعار النفط.