الأمن والقضاء في المملكة.. أهم دعائم حماية المجتمع!
أنزل الله الأحكام الشرعية وفرضها وقننها في كتابه الكريم حماية للناس، وطمأنة وضمانة لهم، لكي يعيشوا بسلام، ويعمروا الأرض ويستخرجوا كنوزها التي أودعها الله في باطنها، كما أمرهم بقوله تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) (الآية 15 سورة الملك). وتتجلى حكمة الباري سبحانه في أن اختص القرآن الكريم بالنص على العقوبات عن الجرائم التي تنال من حقوق الناس، وحرياتهم وكراماتهم، كالقتل والإصابات الجسدية، والسرقة والزنا، "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" (الآية 179 سورة البقرة).
"وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص" (الآية 45 سورة المائدة)، "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله" (الآية 38 سورة المائدة)، "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" (الآية 2 سورة النور)، وذلك حتى تكون هذه الأحكام معلومة، وغير خاضعة للاجتهاد بزيادة أو نقص، لكي يرتدع من تسول له نفسه الاعتداء على حق غيره، أو ماله أو عرضه!
أما العقوبات الأخرى التي يقصد بها الأحكام التعزيرية غير الحدودية، فقد تركها الله للحاكم، ليجعل فيها فسخة للاجتهاد بالتشديد أو التخفيف فيها، تبعا لمعطيات الزمان، وتقدير درجة الخطأ، وحالة الناس الاجتماعية والاقتصادية، ومدى انتشار الجريمة والعدوان!..، بيد أن الله سبحانه أمر بالعدل، وعدم الجور، مثل الاختلاف بين الأحكام التعزيزية في الجرائم المتماثلة!..
"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" (الآية 58 سورة النساء) ولا يمكن للأحكام أن تستتب وتنفذ، إلا بوجود الإداة الداعمة لذلك، وهي جهاز أمني قوي قادر على ملاحقة مرتكبي الجرائم، والقبض عليهم، مهما تنوعت طرق اختفائهم، وتعددت مسالك هروبهم، ومن ثم إحضارهم ليمثلوا أمام العدالة، ولا تقتصر مهمة الأمن على ذلك، بل تتعداه لتشمل تنفيذ ما يصدر من أحكام.
هذا الكلام استحضرته بمناسبة تنفيذ الحكم الشرعي، بالقتل ثم الصلب في حق مرتكب جريمة ما عرف بـ "مجزرة التموينات" في حي السلي بمدينة الرياض، بعد إدانته باختطاف طفل لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، واحتجازه داخل محل التموينات، الذي يعمل فيه المجرم، لغرض سيئ، ثم قتله عمدا وقصدا عن طريق خنقه بحبل لفه حول رقبته، ثم قتل والد الطفل حين دخل المحل يبحث عن ابنه، بواسطة ضربه بساطور على رأسه وأماكن متفرقة من جسمه، إضافة إلى الحيولة دون إسعافهما بإغلاق المحل عليهما، وإشهار السلاح على رجال الأمن عند القبض عليه!
وقد اعتبرت المحكمة العامة، التي نظرت القضية، أن ما أقدم عليه المجرم، من قتل المذكورين، بالصورة البشعة التي نفذ بها جريمته، ضرب من ضروب الحرابة، والسعي في الأرض فسادا والتعدي على الأنفس المعصومة، بصورة تقشعر لها الأبدان، وعن طريق الحيلة والغلبة والقهر، ولتكرار الفساد منه، ووجود سوابق أخلاقية عليه، ووجود أفلام مخلة في الجهاز الذي عثر عليه في محله، وإشهاره السلاح في وجه قوة الأمن التي قبضت عليه، فإن هذا كله يدل على تأهل الشر في نفسه!
ولأن هذه الجريمة قد هزت المجتمع في العاصمة، وشاع أمرها واهتم بها الشارع المحلي، فقد انعكس ذلك على حجم الجماهير التي احتشدت لمشاهدة الإعدام ثم الصلب، الذي تم عصر يوم الجمعة الموافق الخامس من جمادى الآخرة عام 1430هـ، في ساحة تنفيذ الأحكام بحي السلي، ونشرت تفاصيلها وصورها الصحف المحلية، ومنها صحيفة "الحياة" في عددها الصادر بتاريخ 6/6/1430هـ.
وأجد من اللازم أن أستحضر أيضا، بهذه المناسبة، على لسان المواطن والمقيم أمورا قد تخفى على البعض، أو لا يعطيها البعض حقها، وهي من السمات التي تميز هذا البلد، ويندر توافرها في غيره ومنها:
1 ـ السرعة اللافتة للنظر، التي تم بها القبض على المجرم، حيث لم يتجاوز ذلك مدة تسعة أيام من ارتكاب الجريمة، رغم ما يعلمه الجميع، وفي مقدمتهم رجال الأمن، من فرضية حرص المجرم على التخفي والهروب، لشعوره بفداحة الجرم، بحمله دم نفسين معصومتين، حيث تم القبض عليه في حي الوزارات، وهو مكان بعيد عن موقع ارتكاب الجريمة، وهو في حال تخف وتنكر تام، في شكل حليق وفي زي باكستاني، وهو يستعد للهروب إلى اليمن!..، ولنا أن نتصور كيف يمكن العثور على شخص متخف ومتنكر، وفي زي مغاير لما اعتاد الظهور به، في مدينة بحجم الرياض، وتركيبة المجتمع المعقدة فيها!...، ومثل هذه الحادثة وتعقيداتها برهان واضح على مقدرة رجال الأمن ومهارتهم وتمكنهم، وحسن تدريبهم!
2 ـ سرعة صدور الحكم الشرعي خلال فترة وجيزة من وقوع الحادثة، تعد دليلا على تمكن القضاء وتقدمه، وتقديره للظروف التي أحاطت بالجريمة، بما فيها حالة الحزن والأسى التي ألمت بعائلة المجني عليهما، ولا سيما المرأة التي فقدت ابنها وزوجها في جريمة واحدة، عدوانا وظلما، وتقديره أيضا لمشاعر الناس الذين علموا بالجريمة، ومدى قلقهم وترقبهم لما يصدر بشأنها من أحكام، ولو وقعت هذه الجريمة في بلد آخر لاستغرق البحث عن الجاني، والنظر فيها ربما سنوات!...، ناهيك عن الشك في صدوره بهذه السرعة والعدل، الأمر الذي أراح الناس وأبهج نفوسهم، وإلى جانب ذلك فهو، أي الحكم، والسرعة التي صدر بها، رسالة موجهة إلى العالم للتعبير عن معنى تطبيق شرع الله في المملكة!...، فضلا عن أنها رسالة إلى كل من تسوّل له نفسه المساس بالأمن، والاعتداء على الأنفس، أو الأعراض والأموال.
3 ـ أما الرسالة الأخيرة فهي موجهة مني إلى تلك المرأة المكلومة، التي يبدو أنها لم تستطع حضور مشهد تنفيذ الحكم، لما أصابها من صدمة كبيرة وحزن بفقد أملها، وهو ابنها، وحاميها بعد الله وهو زوجها!..، فلك الله أيتها المرأة الشجاعة، وليعوضك فيمن فقدت بالصبر والاحتساب، والجمع بهما في الدار الآخرة!
والله من وراء القصد،،،