هاتوا رجالة. . وخدوا قوامة (2)

توقفنا في المقال السابق عند السؤال: هل المنظور الاقتصادي البحت للحياة عادل ومتوازن وصحيح؟ وفي حين أن الجواب بديهي:لا طبعا، إلا أني أحب أن أقتبس تعليق أحد القراء النابهين "حتى من منظور اقتصادي بحت فإن دور المرأة في إنجاب الأطفال وتربيتهم تربية صحيحة ليكونوا نواة
الاقتصاد المستقبلي لا يقل عن دور الرجل في إدارة الاقتصاد الحالي". . أي أن دورها من أهم مفردات الأمن القومي بحكم أنها تنتج وتشكل أهم مورد لأي أمة: المورد البشري، ما يجعل أوضاعها تعني كل مهتم بشأن قومه.
وفي ظل هذا الفهم (ومما سبق في الأسبوع الماضي) تتضح حكمة تقسيم الأدوار بين شِقّي المجتمع تقسيما فطريا جِبِلِّيا وليس نتيجة للهندسة الاجتماعية كما ادعى البعض. فما الذي يدفع البعض لإنكار القوامة أو التقليل من شأنها أو القول إنها من موروثات عصر قد مضى؟ لعلنا قبل أن نخوض في هذا نطّلع على كلمة قالها ألفين توفلر في مقدمة كتابه (ثورة الثروة): "إن معظم محاولات تفسير الظواهر الاجتماعية أو السياسية إلخ هي نوع من التبسيط" بمعنى أنه يتعذر الإلمام بكل العوامل المؤثرة والمؤدية إلى ظاهرة ما، وقد يكون هذا مؤشرا على أهمية تنوع الآراء، لعل كل رأي يلامس جزءا مختلفا من القضية فيكون مجموع الآراء أكثر إفادة من أي رأي وحيد. ولا شك أن هذا ينطبق على مثل هذه القضية، ومن محاولات التفسير مثلا:
1- أسباب اقتصادية سياسية اجتماعية، فهناك ظلم عام واقع بالبشر عموما، فمعظم "الطبقة الوسطى" تعمل لساعات طوال مقابل أجر زهيد في حين أن تكلفة المعيشة تعلو لصالح نخب في المجتمعات، ولا يخفى على أحد نتائج ذلك على نفوس الناس. كما أن هذا يجعل كثيرا من الرجال غير قادرين على إعالة أسرهم بمفردهم، ما أدى لمتغيرات كثيرة في العلاقات الاجتماعية وتوزيع الأدوار.
2- ومما أثمرت عنه تلك المتغيرات: تغير في طبيعة الرجال(والنساء) وفهمهم لمسؤولياتهم، فمنهم من يتملص من واجبات قوامته، ويطالب في ذات الوقت بحقوقها، ومنهم من فهم أنه بإنفاقه وإعالته لأسرته حصل على رخصة مفتوحة للتجبر والتسلط والقهر، كما قد يرى حوله في كثير من جوانب الحياة، حيث يطغى القوي ويقهر وينسى مبدأ (الشورى) الذي لا تستقيم حياة دونه.
ويتبين أن هذه الأسباب تدور حول مشكلة العامل البشري الذي لا بد أن يضِل ما لم ينضبط بمنهج.. وبالنسبة لمجتمعاتنا فقد تخلينا عن المنهج السليم مما سبب منظومة من المشكلات المتداخلة، على عكس المجتمعات الغربية التي كانت تعاني خللا في أصل المنهج (المسيحي)، خللا عَزَّز اضطهاد المرأة واحتقارها.
فلعل المرأة لدينا تعيد تعريف كلمة (التحرير) لتعني: تحرير المرء من كل وهم، ومن المطالب والأعباء غير المنصفة وغير المتفقة مع طبيعته، ومن العبودية لفكرة أو هوى، ومن الاضطرار إلى المشي عكس تيار السنن الكونية التي لن تتبدل وإن لم تعجب البعض.. وفي ظل هذا التعريف، قد نصل إلى معادلة أصلح من الحالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي