زيارة أوباما .. ماذا على العرب أن يفعلوا؟
قد تكون الزيارة الأهم لرئيس أمريكي للشرق الأوسط إذا ما أخذنا في الحسبان مستوى التوقعات المرتفعة وبخاصة بين العرب والمسلمين الذي لا يعادون الولايات المتحدة كشعب وكمنظومة قيم، وإنما يعادون سياساتها التي جلبت خرابا كبيرا في الشرق الأوسط وأسهمت في تأجيج الأزمات بدلا من المساعدة في حلها، حيث تشير مختلف الدراسات الاستراتيجية إلى أن واشنطن عازمة إلى إعادة بناء سياساتها الدولية والإقليمية على نحو جديد، وهذا الجديد يتوازى وسياسة الرئيس أوباما الراغبة في التغيير طبعا وفقا لمتطلبات الأمن القومي الأمريكي أولا.
فبعد زيارته لتركيا وتوجيهه خطابا مهما للمسلمين، يعود هنا إلى الشرق الأوسط ليزور أهم بلدين عربيين وهما السعودية ومصر، ولهما دورهما ووزنهما الإقليمي والمحوري، والذي لا تنجح أية سياسة معتمدة أو تغيير مقترح دون مشاركة هاتين الدولتين، يبدأ الرئيس أوباما بزيارة للسعودية، لكونها مركز العالم الإسلامي، حتى يتسنى له مناقشة الأجندات العربية مع القيادة السعودية قبل التوجه إلى مصر لإلقاء الخطاب المنتظر حسب ما ورد على موقع الهفنجتون بوست الأمريكي.
اختيار السعودية لتكون أول بلد يزوره أوباما هذه المرة لهو تقدير لدور السعودية الرئيس في الحفاظ على موازين القوى والأمن الخليجي، وتقديرا للدور المحوري البارز الذي تلعبه في قيادة العالم العربي في خلق مبادرة السلام العربية التي يتشجع لها إدارة أوباما باعتبارها دولة صانعة للتوازن والاستقرار في المنطقة، ويبدي الرئيس أوباما احتراما خاصا لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهو ما ظهر أثناء قمة العشرين عندما انحنى احتراما وتقديرا لشخص الملك عبد الله، لذلك سيكون لما يقوله الملك عبد الله أهمية بالغة ستنعكس على صياغة خطاب الرئيس أوباما الذي سيلقيه في مصر.
على أن المحطة الأهم في زيارته تتعلق بالخطاب المنتظر والذي يرفع من سقف توقعات الشعب العربي المتطلع للاستقرار والازدهار والسلام، فماذا في جعبة أوباما بعد أن وصلت مكانة الولايات المتحدة إلى الحضيض بسبب ثماني سنوات من السياسات الفاشلة في الشرق الأوسط، إذ وصلت مستويات المشاعر الشعبية المعادية للولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها، وهو أمر مفهوم حتى في تركيا الدولة العلمانية وصلت النسبة فيها إلى أكثر من 90 في المائة حسب أحدث استطلاعات مؤسسة جالوب الأمريكية! لا بل إن أمريكا سمعت نقدا واضحا من شركائها في المنطقة نقدا في الصميم، وأيضا رفضا للتعاون مع سياسات العسكرة والحرب وإشعال الفتن الطائفية في المنطقة ودفعها للصدام الطائفي، وهو ما تعاملت معه السعودية ومصر بحكمة وعقلانية واضحة.
اللافت حقا توقيت إلقاء الخطاب، فلعل هناك رمزية في توقيت إلقاء الخطاب في القاهرة، فالرابع من حزيران (يونيو) لا يشير إلى تاريخ فقط وإنما إلى الحدود بين إسرائيل والجانب العربي قبل حرب حزيران بيوم واحد، والرمزية هنا أن اختيار هذا اليوم بالتحديد ربما من أجل أن يكون في ذلك رسالة تتعلق بالتزام إدارة أوباما في تحقيق حل الدولتين الذي تؤيده كل الدول العربية وانسحاب إسرائيل حتى خط الرابع من حزيران، وهنا الرسالة للجانبين العربي لبعث الطمأنينة وللإسرائيلي لمطالبته بالارتقاء لمستوى المسؤولية التاريخية لخلق مصالحة تاريخية بين العرب واليهود.
ما يصدر عن صحف ومراكز تفكير في واشنطن يفيد بمجمله إلى أن الرئيس أوباما بصدد مقاربة العالمين العربي والإسلامي بطريقة مختلفة عما قام به الرئيس بوش، فأوباما يظهر احتراما شديدا للعرب والمسلمين ويتفهم ضرورة النظر إلى مختلف القضايا العالقة بين العرب والغرب بطريقة أقرب إلى موقف العرب منه إلى موقف المستشرقين الذي يعادون المنطقة بشكل أيديولوجي. لذلك يأتي التأكيد على أن الولايات المتحدة لا تعادي الإسلام والمسلمين (وهذا ضروري) من أجل البدء بحوار جدي بين العرب والغرب، وقد سبق أوباما في هذه الخطوة مبادرة خادم الحرمين الشريفين المتعلقة بحوار الأديان لأن في ذلك ترسيخا لقيم إنسانية تشترك فيها كل الأديان صونا للأرواح واحتراما وليس استعداءً للتنوع.
ثمة ما يشير إلى أن الرئيس أوباما معني بشكل كبير بالمساهمة في حل الصراع الأهم وهو الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو بذلك يريد أن يكون بلده جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة كما كان إبان عهد الرئيس بوش. فالرئيس أوباما ينطلق من تشخيص استراتيجي مختلف كليا عن الرئيس بوش، فالأول يرى أن هناك ترابطا وثيقا بين مختلف ملفات الإقليم، وحل الصراع العربي - الإسرائيلي هو مقدمة ضرورية للتخفيف من حدة الصراعات المختلفة في الإقليم مع الاعتراف التام بخصوصية كل بؤرة توتر، وأكثر من ذلك فهو يسعى إلى الاشتباك الإيجابي مع دول تعتبر في واشنطن عناصر عدم استقرار، وهنا الحديث عن إيران وسورية. فسياسة العزل والمقاطعة ولّت وحلّت محلها سياسة عقلانية وواقعية تستند إلى فهم عميق لديناميكات الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة والعمل على ضبطها.
الراهن أن أوباما يرفض المقاربة الإسرائيلية المتعلقة بضرورة إقامة تحالف ضد إيران وعدم الانتباه الآن للصراع العربي - الإسرائيلي، ووصل الصلف الإسرائيلي مرحلة عندما يوحي بأن ثمة مصالح مشتركة بين إسرائيل والدولة العربية تتعلق بضرورة التصدي للخطر الإيراني ما يبرر إقامة تحالف عربي - إسرائيلي! صحيح أن إيران تشكل تهديدا بسبب انهيار موازين القوى في منطقة الخليج بعدما تم تدمير العراق، لكن الصحيح أيضا أن دول الخليج العربية كباقي الدول العربية ترى في استمرار الصراع مع إسرائيل العامل الأكثر تهديدا للأمن والاستقرار الإقليمي.
ما يميِّز الإدارة الحالية هو غياب حالة العجرفة والصلف والأدلجة الدينية للسياسة والعلاقات الدولية التي ميزت سلوك أركان إدارة بوش، ففهم المزاج العام في منطقة الشرق الأوسط هو من العوامل التي تحدد الطريقة التي يقارب بها أوباما شعوب المنطقة. معهد بروكينجز استضاف عددا من الباحثين للحديث عن مزاج الشارع العربي قبيل زيارة أوباما للمنطقة، وما من شك أن الرئيس أوباما يأخذ كل ذلك بعين الاعتبار، وتحدث كل من شبلي تلحمي وجيمس زغبي ومارك لينش عن الرأي العام العربي، وكيف أن الموقف من أمريكا مرتبط بسياسية الأخيرة في المنطقة. ولعل الرئيس أوباما يستنتج أن من الضروري أخذ هذه العوامل في الحسبان وهو يلقي خطابه في مصر ليؤكد أنه زعيم عالمي كما كان من قبله ودرو ويلسون وهو يوجه خطابه الذي احتوى على أربع عشرة نقطة والذي احتوى أيضا على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.
على أننا يجب أن ننظر أيضا إلى ما يمكن تطبيقه فعليا وليس فقط ما يقال ويكتب، فهل للرئيس أوباما القدرة على ترجمة أفكاره المطروحة إلى سياسات واقعية؟ ما دور العرب في تسهيل مهمة أوباما؟ وكيف يمكن لإسرائيل وإيران على سبيل المثال تقويض مهام أوباما في الشرق الأوسط، وهذا متوقع وتعمل طهران على تنفيذه عبر أدواتها في المنطقة وإسرائيل عبر اللوبي الصهيوني؟ هذه أسئلة برسم الإجابة لكن من الواضح أن للرئيس أوباما القدرة على ترجمة أفكاره إلى سياسات مع تحفظنا على قدرة التنفيذ، لأن للاعبين الآخرين مصالح مختلفة وربما قراءات مختلفة وتمتلك من الأوراق ما يساعدها على التأثير السلبي.
باختصار، للرئيس أوباما النوايا الحسنة والفهم الكامل لطبيعة الصراعات المختلفة في الشرق الأوسط وربما طرق معالجتها، لكن هناك قيودا على ما يمكن أن يقوم به، والقيد الأهم والذي لا ينتبه له كثير من المراقبين والمحللين هو عامل الزمن، فإذا لم يتمكن الرئيس أوباما قريبا من إطلاق عملية سلام حقيقية فإن الوقت سيستدركه وسينشغل بالانتخابات النصفية بعد عام ونصف وبمسألة إعادة الانتخاب بعد ذلك بوقت قصير وكذلك بالجبهة الرئيسة بالنسبة له وهي باكستان وأفغانستان والتصدي للمشروع النووي الإيراني. لهذا السبب على الجانب العربي تقع مسؤولية معالجة الوضع الفلسطيني بشكل يسمح بالمصالحة الوطنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية حتى يتسنى لنا كطرف عربي حشر إسرائيل في الزاوية، وهنا تظهر لنا حكمة القيادة السعودية في وأد الخلاف الفلسطيني مبكرا في مكة، ويظهر أيضا القوى الراغبة في استمرارية الصراع والاختلاف على حساب المصالح العربية.
نعم على الجانب العربي مسؤولية المعالجة للوضع الفلسطيني خاصة بعد أن أخذت الخلافات الأمريكية - الإسرائيلية المتعلقة بالاستيطان طريقها إلى العلن، فهناك نافذة لوقت محدود علينا استغلالها وليس الانشغال في اقتتال داخلي يقدم في نهاية الأمر طوق النجاة لحكومة نتنياهو، ويعزز أوراق إيران التفاوضية ويفقد العرب ورقة أمريكية تبدو لنا رابحة!!