من يحول الموبايل إلى وسيلة إعلامية؟
يمكن لشركات الاتصالات أن تسهم في علاج عدد من نقاط الضعف في سوق "محتوى الموبايل" لتؤسس لثورة حقيقية في إنتاج وتوزيع المادة النصية والإعلامية والمصورة والمسموعة عبر أجهزة الموبايل، وإذا كان منتجو هذا المحتوى الإعلامي سيستفيدون بالتأكيد من هذا التحول, وسيسهم ذلك في نمو الإبداع وتطوير الجودة، فإن شركات الاتصالات ستستفيد أيضا لأنها في النهاية أكثر من استثمر في تقنيات الجيل الثالث والتقنيات المرتبطة بها.
كان هذا ملخص ما كتبته الأسبوع الماضي عن محتوى الموبايل، وكتبت حينها أن أفضل ما يمكن أن تقوم به شركات الاتصالات هو تأسيس "منصة" أو موقع على الموبايل يمكن لكل منتج للمحتوى أن يضع محتواه على الموقع بأسلوب سهل وميسر، ويكون له نصيب من الأرباح في حال اجتذب المحتوى الجمهور، وهذا سيسعد الجمهور الذي سيجد كمية ضخمة من المحتوى، وسيسعد منتجي المحتوى بأنواعهم، ويسعد شركات الاتصالات بالطبع.
هذا الحل هو بالضبط ما قامت به الشركات المنتجة لأجهزة الجوال، وكانت البداية على يد شركة أبل التي أسست بوابة لبيع المحتوى باسم iTunes ثم بوابة أخرى باسم Apple Store الذي أسهم من خلال آلاف التطبيقات الموجودة عليه في نمو مبيعات جهاز الـ iPhone الشهير، وكانت قصة نجاح أثارت غيرة شركة بلاكبيري التي تعمل على تنفيذ الخطوة نفسها، وجاءت "نوكيا" الأربعاء الماضي وأطلقت بوابة شبيهة باسم أوفي Ovi Store، بينما ما زالت "مايكروسوفت" تجهز لإطلاق بوابتها الشبيهة لكل أجهزة الموبايل التي تستخدم أنظمة ويندوز موبايل مثل الآيميت والهواتف الذكية Smart Phones.
"نوكيا" من خلال خطوتها التي قامت بها الأسبوع الماضي تحاول الاستفادة من السيطرة المطلقة لـ "نوكيا" على نسبة واسعة من مبيعات أجهزة الموبايل حول العالم (خارج أمريكا)، وهي أيضا تحاول بناء صورة ذهنية عن أجهزتها التي تتميز بقدراتها من ناحية الاتصال بالإنترنت والملتيميديا، وعلى الرغم من أن "نوكيا" لديها طريق طويل لتتحدى "أبل" فهي قد أضافت صفة "الشخصنة" Personalization بحيث تتعرف البوابة على احتياجات المستخدم بسهولة والتأقلم على أساسها. ما لم تفعله "نوكيا" ولم تفعله بوابات أخرى شبيهة هو الأسلوب الديمقراطي غير العادي الذي تتعامل من خلاله "أبل" مع مطوري التطبيقات ومنتجي المحتوى الذين يمكنهم نشر المحتوى دون الحاجة إلى الحديث مع أحد أو حتى دون الحاجة إلى المرور بكثير من الخطوات المعقدة، وهو في رأيي الأسلوب الأمثل لنمو المحتوى على الموبايل.
هل سينمو محتوى الموبايل فعلا ليصبح شيئا أساسيا على الموبايل وصناعة ضخمة؟
الجواب نعم, ولا شك في ذلك، فكل المؤشرات العالمية تمضي في هذا الاتجاه. في تقرير صدر حديثا عن محتوى الموبايل في آسيا كانت تقديرات حجم صناعة محتوى الموبايل لعام 2008م تصل إلى 29.1 مليار دولار (في 13 دولة آسيوية)، منها نحو 6.2 مليار دولار من دخل نغمات الانتظار (التي تظهر لك عندما تتصل بشخص قبل أن يرد على الاتصال) وموسيقى الموبايل (النغمات والكليبات على الموبايل)، وهي بذلك تهيمن على نحو 20 في المائة من سوق محتوى الموبايل.
التقرير يتوقع أن تنمو سوق محتوى الموبايل لتصل إلى نحو 75 مليار دولار بنهاية عام 2013م ما لم تنم تكنولوجيات جديدة تسهم في تسريع ونمو محتوى الموبايل بشكل أسرع.
بعد الموسيقى، تأتي الأخبار والكوميديا والرياضة وتطبيقات الدردشة والتواصل الاجتماعي والألعاب والمحتوى الديني بنسب متفاوتة من سوق إلى أخرى حسب شركة الاتصالات وحسب نوعية الجمهور.
أجهزة الموبايل ستحقق للمحتوى شيئين لم يحققهما الإنترنت: الأول أساليب سهلة للجمهور للدفع (من خلال فاتورة الموبايل) وأساليب سهلة لتحصيل الدخل والأرباح، والآخر حماية المحتوى من السرقة والنسخ السهل، وهذا يعني في النهاية تشجيع الإبداع والنمو لشركات محتوى الموبايل.
الموبايل سيتحول إلى وسيلة إعلامية تنافس الإنترنت وتنافس وسائل الإعلام التقليدية، والسنوات المقبلة ستحسم المعركة بين شركات الاتصالات وشركات أجهزة الموبايل، والمستفيد في الغالب منتج المحتوى والمستهلك.