"هاتوا رجالة...وخدوا قوامة" "1"
قالتها بنت الشاطئ حين ذُكِّرت في محاضرة بأن الله أعطى الرجل القوامة في إشارة للآية الكريمة المعروفة...تعليق طريف...وذكي!فالقوامة مرتبطة بالرجولة وليس بـ (الذكورة) وشتان ما بين المفهومين، فكل رجل هو ذكر بداهةً، ولكن هل كل ذكر استوفى متطلبات الرجولة؟وماهي هذه المتطلبات؟
ينبغي أن نتفق أولا على بعض الأسس التي لا يصح الحديث دونها:
1 - كل إنسان له حقوق وعليه واجبات لا تستقيم الحياة إلا بتحقيقها.
2 - بعض الحقوق ثابتة لا تتغير لأي إنسان، وحقوق أخرى مرتبطة بالواجبات التي ينبغي أن يؤديها لأنها تعينه في ذلك ..فمثلا لا أحد يسمح للآخر بأن يكشف عورته ، إلا أننا نعطي الطبيب هذا الحق كي يتمكن من التشخيص والعلاج،إلا أنه حق غير مطلق بمعنى أنه مرتبط بقيامه بواجبه دون اعتداء،وإلا أعدنا النظر في صلاحيته.
3 -أن الرجال والنساء خُلقوا سواسية ومختلفين في ذات الوقت..فأما المساواة فعلى مستوى الكرامة الإنسانية ومسؤولية العقل والضمير والحُرُمات،والاختلاف يأتي في بعض الجوانب الجسدية والنفسية والعصبية وهذه حقائق لم يعد أحد - في الأوساط العلمية المعتبرة - يناقشها ولا يتسع المجال لإيراد ذلك هنا..والمشكلة تحدث عندما نفترض بسوء ظن أو منهج تفكير عليل أن الاختلاف يتضمن المفاضلة عوضا عن التكامل الطبيعي في الأدوار .
ومن المنطقي أن اختلاف التكوين والاستعداد يقتضي اختلاف الوظيفة،وهذه أيضا حقيقة يصعب دحضها حيث إنها مشاهَدة في كل المجتمعات. فكل إنسان لديه ميول وقدرات طبيعية تشير إلى أنه مهيأ لاستغلال ذلك في أدوار تتطلب تلك القدرات،في حين أن غيره يحقق أدوارا أخرى لا تقل أهمية. ولا يختلف الموضوع بالنسبة إلى الرجل والمرأة، فكل منهما (كظاهرة عامة) مهيأ طبيعيا لأدوار معينة أكثر من غيرها دون أن يعني ذلك أن الرجل خَلِيٌ تماما من قدرات المرأة أو العكس، ودون أن يعني أنه يُمنع منعا باتا من أن يسهم في بعض أدوار المرأة أحيانا أو العكس..بل يعني ببساطة أن الرجل تطغى عليه أولويات، والمرأة كذلك.وفي هذا السياق تُفهَم الآية الشريفة :"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"..فالله أودع الرجل فضلا(زيادة) على المرأة في جوانب ،وليس ذلك تشريفا(إلا في حال أدى ما عليه) بل تكليف وعبء لأنها تقتضي منه واجبات زائدة عن المرأة..وكذلك المرأة أودعها الله فضلا على الرجل في جوانب مختلفة وعليها واجبات زائدة عليه مقابل ذلك.ومن الواضح أن الرجل بالرجوع إلى الأبحاث العلمية البيولوجية والعصبية والنفسية والاجتماعية المتوافرة للكل مهيأ أكثر لطلب الرزق والعمل الخارجي عموما،في حين أن المرأة مهيأة أكثر لتربية الأطفال وإدارة البيت وكل ما يقتضيه ذلك،ولا يمكن أن نرى أن دور الرجل أرقى أو أقيم من دور المرأة إلا في حالة واحدة: أن يكون مقياسنا الوحيد وقيمتنا العليا المنفعة الاقتصادية،ففي هذا المنظور للحياة،طبعا يكون الرجل في وضعٍ مؤاتٍ أكثر من المرأة إن أخذنا في الاعتبار عاملين اثنين فقط وهو الإنجاب والتربية اللذان يستنزفان طاقاتها..ولكن هل هذا منظور عادل وصحيح ومتوازن للحياة؟
فلنكمل في المرة القادمة