الرياضة النسائية.. بين طرفين
أذكر قبل سنوات كنت في سيارة أحد الأصدقاء وإذ به يخرج لي ورقة يفتحها بكل حذر وهو يحوقل، لقد كانت الورقة التي أراني إياها خلسة عبارة عن تعميم سري، يتحدث عن فتح أندية نسائية، على أن تكون خاضعة للتعليمات الشرعية ويحكمها العرف والتقاليد، وقد كان صاحبي في غاية الحنق لهذا الأمر، وكان يستشيرني فيما يجب عمله، حيث وضح من نبرة صوته أنه من أشد المعارضين لهذا الأمر، وقد كان لصاحبي من المبررات لاعتراضه على الأندية النسائية ما يمكن أن تحتويه صفحة كاملة في هذه الجريدة، وبدأت أناقشه في مبدأ ممارسة النساء الرياضة هل هو أمر مقبول أم لا؟ فوجدته أيضاً معارضاً لذلك، فقلت له هل ترغب أن تكون زوجتك ممشوقة القوام حسنة القد، أم مترهلة الجسم ممن اختلط فيها الشحم باللحم؟ فأجابني باستغراب: ومن الغبي الأحمق الذي لا يرغب فيما ذكرت!! قلت له هل تؤمن بأن العقل السليم في الجسم السليم أم لا؟ قال نعم، قلت وهل ينطبق ذلك على الرجال فقط أم تشاركهم فيه النساء؟ واستمر النقاش معه على هذا النحو حتى سألني: هل أنت مؤمن بهذه الأندية الرياضية للنساء؟ فأجبته كل الإيمان بل أشجع عليها، وأشجع على ممارسة بناتنا الرياضة في المدارس، ولكن على أن يكون ذلك بلباس محتشم وفي جو محافظ، وبيئة تعليمية راقية.
أذكر جيداً كيف تغيرت ملامح محدثي عندما علم بحماسي لفتح أندية نسائية، بل إنني على استعداد للاستثمار فيها، وذكرت له أبسط مثال إيجابي لهذه الأندية، ألا وهو مركز الأمير سلمان الاجتماعي، وكيف أنه يزخر بممارسة النساء الرياضة من المشي للسباحة، كما يحفل بكثير من المشاركات الاجتماعية، والاحتفالات الثقافية، التي تقام في جو نسائي حميم ومحترم "وشرعي".
نسيت هذه القصة حتى قرأت الأسبوع الماضي مقالا لشيخنا الفاضل الشيخ عبد الله بن منيع في صحيفة "الوطن"، يعلق هذا المقال على ما وصل الشيخ حول ما يقال عن أن لدى الرئاسة العامة لرعاية الشباب تفكير في السماح للفتيات بمزاولة النشاط الرياضي، ومن ذلك كرة القدم وكرة السلة، وإيجاد نواد نسائية وتمكين هذه النوادي من المشاركة في النشاطات الرياضية العالمية، وملخص مقال الشيخ الاعتراض الكامل جملة وتفصيلا على هذا الأمر، وقد ربط الشيخ الموضوع بإمكانية تمزق غشاء البكارة كنتيجة لممارسة الفتيات الرياضة!!
ولا أريد أن أعلق على الجزء الأخير المتعلق بغشاء البكارة، حيث لا تخلو قصص التاريخ من ممارسة فتيات المسلمين فنون القتال وركوب الخيل، وهو أمر نفتخر به في تراثنا، ولا شك أنه يعد أكثر قسوة من ممارسة رياضة كرة القدم وكرة السلة، ولا أشك لحظة أن مسابقة الرسول صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها إنما هو نوع من الرياضة إلى جانب التسلية بين الزوجين، وفيه مراعاة لسن أم المؤمنين التي كانت في ريعان الشباب آنذاك.
كما أنني لا أعتقد أن أمر فتح نواد نسائية ومشاركتها في المسابقات الرياضية العالمية موضوع نقاش، حيث إن هذا الأمر يكتنفه عديد من المحاذير التي لن يتحملها مقال أو عدة مقالات وهو مرفوض جملة وتفصيلا، سواء كان ذلك من الناحية الشرعية أو من الناحية الاجتماعية، وقد كنت أود أن يعرج الشيخ على قضية ممارسة الفتيات الرياضة من حيث المبدأ، فهل هناك أي إشكال شرعي في ممارسة الفتيات الرياضة في المدارس والجامعات مثلاً، أو في النوادي الخاصة بالنساء مثل ما هو قائم حالياً في مركز الأمير سلمان الاجتماعي، أو ما يقوم به كثير من فتياتنا من ممارسات رياضية في بيوتنا.
مازال استصدار تصريح ناد رياضي نسائي من أصعب الأمور التي يمكن الحصول عليها، وبلا مبررات منطقية، والغريب أنه لا توجد جهة مسؤولة عنها، لذلك لا توجد أيضاً الجهة التي تراقبها، أو تردعها، وتجد الأندية الرياضية المستترة تعمل بلا حسيب ولا رقيب.
أليس من الأولى أن تفتتح النوادي النسائية بشكل رسمي، وتمارس فيها الرياضة بشكل علمي وترفيهي أمام أعيننا وتحت سمعنا، وبمراقبة الجهات المسؤولة، ومن خلال إطار نظامي واضح وصريح، بدلاً من ممارسة الرياضة هنا، وهناك تحت أسماء مختلفة وفي أجواء غير صحية من حيث الرقابة والممارسة المهنية والاجتماعية والشرعية.
لكل فعل ردة فعل مساوية له في القوة ومضادة له في الاتجاه.. وينطبق ذلك "للأسف" على التصوير الإعلامي لهذا الموضوع، مما أسهم في محاربة ممارسة الفتيات الرياضة، حيث صور الفتيات تتصدر الصفحات الرياضية والاجتماعية بشكل استفزازي، مما خلق ردة فعل عكسية لدى الفضلاء من أبناء المجتمع الغيورين عليه، وهذه الممارسات الإعلامية هي التي يجب أن تحارب وتمنع، لا أن تمنع الفتيات من ممارسة الرياضة بحجج لا سند لها يؤيدها.