مجلة "جسد".. هل هي للثقافة؟ (2)

كتبت الدكتورة نهى قاطرجي الأستاذة في كلية الإمام الأوزاعي في بيروت مقالة بعد صدور العدد الأول من مجلة "جسد" الإباحية نشرت في جريدة اللواء اللبنانية الخميس 22/1/ 2008م. وضحت فيها رؤيتها حول هذه المجلة الإباحية التي للأسف هللت بعض الصحف في بعض مدن العالم العربي ولدينا هنا بصدورها وقاموا بالتمويه في الحديث عنها وكأنها (مجلة ثقافية)!! كما ذكرت ذلك في المقالة السابقة عنها.
ويهمني هنا استعادة ما كتبته الفاضلة الدكتورة نهى قاطرجي عن هذه المجلة ورئيسة التحرير التي تعتقد أن ما قامت به هو لتحرير الإنسان من ربقة الخوف من الجسد!!
لقد ذكرت الدكتورة نهى أن الحديث عن مجلة "جسد" التي أصدرتها الشاعرة "جومانا حداد" أمر ليس بالسهل، ومن المؤكد أنه لن يعجب كثيرا من المثقفين الذين يجدون في هذه المجلة بشرى خير للخلاص من المحرمات ـ التابوهات ـ التي تسيطر على أفراد مجتمعنا وتحجزهم في سجن العادات والتقاليد والأديان. لذلك فكلامي ـ كما تقول - لن يكون موجها لمدعي الثقافة، الذين بنوا شهرتهم على بعض الكتب والمقالات الجنسية الفاحشة, أي "الجريئة"على ما يدّعون, ولا إلى أولئك الكتاب والشعراء والصحافيين الذين يتباهون بخروجهم عن كل دين وخلق وقيم حضارية منعت مجتمعاتنا من التفكك والانهيار حتى اليوم. وتوجه كلامها إلى فريقين: الفريق الأول: الإنسان العادي الذي يخشى على نفسه وعائلته وأبنائه من أمثال تلك المجلة: أي الزوجة والأم التي تخشى على زوجها وأبنائها من الانزلاق وراء الأفكار التي تدعو إليها هذه المجلة, وكذلك الزوج والأب الذي يفني عمره من أجل حماية عائلته وتربية أبنائه على الأخلاق والقيم الإنسانية. ثم تحذرهم من هذه المجلة التي صدر عددها الأول بمواضيع مقززة للبدن، لا يستطيع الإنسان العاقل السوي أن يقرأها من دون أن يشعر بحاجة إلى التقيؤ.. ومن دون أن يشعر بالغضب لما ورد في طياتها من كلام خطير لما فيه من انعكاسات على الفكر والوجدان، وبالتالي التصرفات.. هذا إضافة إلى الصور الإباحية التي لا تميز هذه المجلة عن أية مجلة إباحية ساقطة.
ثم تتساءل الدكتورة نهى ونحن معها نتساءل، بعد أن تصفحت هي تلك المجلة، ما المغزى الذي تسعى إليه صاحبة المجلة من وراء إصدارها؟ إذ إن لكل وسيلة إعلامية هدفا تسعى إليه. وهذه الأهداف لا ينبغي أن تخرج عن خدمة المجتمع والارتقاء بأبنائه والنهوض بهم، فأين هذه الأهداف مما قرأناه في مجلة “جسد” التي يتحدث كتابها، التي تفخر بهم صاحبتها، عن العلاقات الجنسية بمختلف أشكالها وبكل تفاصيلها. كما يتحدثون عن الإثارة بواسطة أعضاء الـ ”جسد” والثياب الداخلية, ويتحدثون عن أكل لحوم البشر بطريقة مغرية وجذابة, ويذكرون الكتب التي يمكن الرجوع إليها للمزيد من التفاصيل. إن هذا لا يمكن بحال من الأحوال أن يحمل في طياته هدفا نبيلا. وليس في كل ذلك تشجيعاً للثقافة, أو دفاعاً عن حرية الآخرين في الكتابة والتعبير، أو حماية لحق الإنسان في أن يختار حياته الجنسية. إن الهدف لا يتعدى في نظري ـ كما تقول - أمرين: الأول تجاري خالص، وهو الذي تسعى إليه صاحبة المجلة بعد أن ضحت بمستقبل أبنائها التعليمي من أجل إصدار المجلة. والثاني إفسادي يهدف إلى هدم أسرنا وشبابنا تنفيذاً للمخططات الغربية التي تمول هكذا نشاطات شاذة.
إن الحرية لا يمكن أن تكون بشكل من الأشكال حرية لا مسؤولة، فالمسؤولية جزء لا يتجزأ من الحرية، لذلك فصاحبة المجلة مسؤولة عن كل من يتعرف من خلال هذه المجلة على أشكال جديدة من الشذوذ لم تكن معروفة لديه، فيقوم بها اعتقادا منه بإباحتها واعتبارها من الأمور الطبيعية. وهي أيضا مسؤولة عن كل من يقرأ هذه المجلة فيقوم بقتل أخيه أو صديقه من أجل أكل لحمهما.. أو يقوم بالاعتداء الجنسي على طفل أو قريب لتنفيذ بعض ما قرأ في هذه المجلة واختبار المشاعر الذي عبر عنها كتاب المقالات, وممارسة الشذوذ الجنسي بأشكاله كافة. ومن الأسئلة التي يمكن أن تخطر في الذهن هنا: ما الفرق بين ما تفعله إسرائيل في قتل أبناء غزة “جسد”يا والتلذذ بإراقة دماء أبنائها وبين ما أوردته المجلة عن التمتع بآكل لحوم البشر, أي الكانيبالية!!؟
إن رئيسة التحرير لا بد أن تعرف أن حريتها تنتهي عند حرية الآخرين، وحريتنا نحن "فقهاء الظلام" كما تدعي صاحبة المجلة، تفرض عليها أن تحترمنا وتحترم عقائدنا وأخلاقنا ومبادئنا التي تحرم مثل هذه التصرفات وتضع فاعليها في خانة الشاذين جنسيا وتفرض عليهم العقوبات الشرعية، التي وإن لم تطبق في بعض المجتمعات ومنها لبنان، إلا أن هذا لا يلغيها، والمؤمن يدرك طبعا عقوبتها، التي وإن فر منها في الدنيا لن يفر منها في الآخرة.
والفريق الثاني الذي تتوجه إليه الدكتورة نهى هم المسؤولون في السلطات الرقابية الأمنية والإعلامية الذين يسمحون لمثل هذه المجلات بالصدور والانتشار، والذين يفترضون أن دورهم الرقابي ينحصر في وضعهم المجلة في مغلف مكتوب عليه عبارة للراشدين فقط, وبذلك يرفعون المسؤولية عن أكتافهم
والسؤال هنا: هو متى يكون سن الرشد في نظر هؤلاء!! وهل يعتقد هؤلاء المسؤولون أن الشاب أو الفتاة عندما يبلغان سن الرشد يصبح عندهما الوعي الكافي لكي يميزوا بين الأصح والخطأ بعد قراءتهم لهذه المجلة وشبيهاتها!!
قد يعترض البعض بأن صدور مثل هذه المجلة لا يضيف شيئاً بوجود الإنترنت التي يستطيع الشاب أن يتصفحه ويشاهد أمورا أخرى أشد إباحية وفظاعة.
إن هذا أمر صحيح, ولكن الإنترنت وسيلة خاصة, بينما تباع المجلة في الشوارع ويسهل على الشباب شراؤها وتبادلها وتعميم مفاسدها وإباحيتها. وهو يقرأها وهو فخور ومرتاح الضمير، لأنها تباع بصفتها مجلة ثقافية, وأن من يكتب فيها هم أدباء وكتاب وصحافيون مشهورون؟
من هنا, فإن مسؤولية السلطة أكبر من مسؤولية صاحبة الامتياز التي تتفاخر أن عملها قانوني التي تعد بمزيد من الحرية في تخطي الرقابة، ذلك لأن في لبنان 19 طائفة، وهذه الطوائف كلها ترفض ما تدعو إليه هذه المرأة، فكيف يتجاوز رأي كل هؤلاء ويسمح لمثل هذه المجلة بأن تهدم أسر وأبناء هذه الطوائف، وتنشر المفاسد والشذوذ بين شبابها وفتياتها. وأذكر هنا بحديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم:"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
هذا رأي الفاضلة الدكتورة نهى ولنقارنه بما كتب عن هذا العدد من المجلة من قبل رئيسة تحريرها (ويضمّ كل عدد مجموعة كبيرة من الريبورتاجات والأبحاث والنصوص والترجمات والرسوم والمقالات المتنوّعة بأقلام كتّاب وريش فنانين لبنانيين وعرب وأجانب، حول محور الجسد وتشعباته، إلى جانب باقة من الأبواب الثابتة. ويحمل كل عدد توقيع فنان مثير للجدل على الغلاف، وبصماته بين الصفحات)، بل تتفاخر صاحبة المجلة أن هناك أدباء يرغبون في الكتابة في المجلة بأسماء مستعارة، إلا أنها أبدت رفضا قاطعا حيال ذلك، لأن "رهانها الكبير كان قرار نشر المقالات والبحوث بأسماء كتابها الحقيقيين. من السهل جمع نصوص جريئة يختبئ أصحابها وراء حصن الاسم الوهمي، لكن الإنجاز الحقيقي هو تحمّل الكاتب والفنان مسؤولية جرأته الأدبية والفنية، وهذا هو رهان مجلة "جسد". وكان لها شرف مشاركة مجموعة كبيرة من الأدباء في العدد الأول، يقارب عددهم الـ 50".!! بل تتفاخر أن أرقام الاشتراكات مشجعة جدا، خاصة من السعودية ومن مختلف البلدان العربية!!
** إننا كما نحارب الإرهاب يوميا والغلو في الدين ونعقد عشرات المؤتمرات واللقاءات لمحاربة التطرف الفكري, فإننا بالمقياس نفسه لا بد أن نحارب هذا الإرهاب الجنسي المنحرف, وأن نحارب من يموله ومن يدعمه ومن يروج له بيننا تحت شعارات وهمية هي التحرر والحرية!! المجتمعات الآمنة هي التي ترتقي بفكرها وسلوكياتها لمرتبة الإنسان وليس الحيوان!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي