فراغ يأبَى إلا أن يُملأ

كلنا يعرف ما قاله مالك بن نبي عن القابلية للاستعمار وأثرها في تَمكُّن الاستعمار بكل أوجهه من الشعوب، وفي حين أن كلا منهما يغذي الآخر، وفي حين أن الحديث عن القابلية للاستعمار ومسؤولية الشعوب عنها ليس إعفاء للمستعمر من جُرمه ولا للشعب من مقاومته ويقظته، إلا أنه يمكن الاستفادة من هذه الفكرة في موضوع قضية المرأة و"تحريرها". فالغالب على الساحة وجود فئتين ظاهرتين :
?- فئة تطالب بتحرير المرأة على النموذج الغربي وإن لم تصرح بذلك، فهي تنطلق من مفاهيم وخلفيات لا علاقة لها بمجتمعاتنا، كمن يتحدث عن مسألة الإرث مثلا.
? - فـئة تقاوم الفئة الأولى لأنها ترى فيها خطر التغريب، فتقع في فخ رفض بعض الحق الذي تتكلم به الفئة الأولى (حقوق المرأة في الأهلية المالية مثلا)، أو إن لم ترفضه فهي لا تبدي التمسك المطلوب بالحقوق التي شرعها الله عز وجل، ربما سدا للذرائع.. لا ندري، المهم أن الفئة الوسط التي تقدم حلا واعيا عمليا لا يخرج عن إطار المنهج الإسلامي لا وجود قوي لها على الساحة وهذا لب المشكلة.. فأي فكرة تتطلب فكرة أقوى منها تهزمها وليس مجرد كليشيهات أو اتهامات لا أثر لها إلا توسيع رقعة الخلاف .
فالفئة الأولى لها رأي في قضية المرأة يختلف باختلاف الأشخاص، ويبقى العامل المشترك وهو إسقاط التاريخ الغربي الديني الثقافي على واقعنا وتاريخنا إسقاطا مصطنعا وغير منهجي يستورد المشكلات التي كانت تعانيها المجتمعات الغربية ويقحمها علينا، ثم يصل إلى النتيجة العبقرية وهي أن نستورد نفس الحلول، وخطأ هذا النهج واضح لا يستدعي استفاضة. أما الفئة الثانية فهي تفسح المجال للأولى وتقدم لها أثمن هدية: الفراغ.. فهي لا تُقر بالمشكلات الحقيقية الموجودة بل أحيانا تبررها بطرق غريبة وبالتالي فهي لا تقدم بديلا لما تقترحه الفئة الأولى.. فالواقع يشهد أن هناك خللا شديدا على مستوى المفاهيم والتطبيق في قضايا المرأة (وغيرها)، وتشخيص هذا الخلل لا يستند إلى القياس على منهج الغرب في التعامل مع هذه القضية، بل إلى القياس على المنهج القرآني والنبوي الذي يرفض ويدين كثيرا من الممارسات والمفاهيم التي انتشرت وباتت جزءا من منظومتنا الاجتماعية، وفي نظر البعض ليست مزعجة إلى حد كبير. ووجود هذا الخلل وإهمال علاجه يسهم في خلق حالة من النفور الحاد لدى البعض، فيرفضون ما يعانونه أو يرونه من مظالم وتناقض شديد (وهو شعور شريف بل نوع من إنكار المنكر)، ولكن في غياب العقل والعلم يتوسع هذا الرفض ليشمل ثوابت قد تُستغل، لا بل تستغل جهلا وغُلوّا لظلم الناس، وتصبح هذه الشريحة قابلة لأي أفكار ومقترحات تُلَوِّح بحل وتبشر بالتحرير والتنوير.. وإلخ.. فهلا نهضنا لسد الفراغ وعلاج التناقض؟ فإن لم نفعل، سيملؤه غيرنا لا محالة. 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي