الحُلم الجّداوي
قدم مساء الإثنين الماضي المهندس عادل فقيه أمين محافظة جدة عرضا تعريفيا لمسودة الخطة الاستراتيجية الطموحة لتطوير محافظة جدة خلال العشرين عاما القادمة. وقد هنأ الأمير خالد الفيصل أمين جدة على فوز أمانة محافظة جدة (مشاركة مع دار الأركان) بجائزة مكة للتميز في المجال العمراني بالنظر لتميز مشروع تطوير منطقة قصر خزام. بيد أن الأمير خالد أضاف موجها كلامه إلى الأمين: "سنقف معا لنرى ما الذي أنجز على الأرض مما عرض أمامنا اليوم؟ لقد مدد لك خادم الحرمين الشريفين مدة الخدمة لمدة أربع سنوات أخرى، وسنحاسبك بعدها ". ولا شك أن تذكير سموه لأمين جدة بهذه المحاسبة وأمام الملأ من أهل جدة يلقى على عاتق الأمين وزملائه في الأمانة مسؤولية مضاعفة، كما أنه يعكس أسلوب الشفافية والحزم في الإدارة التنموية اللتين عرفتا عن سموه. وقد أكد أمين جدة لسموه أنه وزملاءه يحاسبون أنفسهم يوميا على أعمالهم، وأنهم قادرون بحول الله وبتضافر جهود الجميع واستمرار دعم الدولة لهم على تنفيذ هذه الخطط والدراسات خلال الفترة الزمنية المقدرة بكل ما أوتوا من قوة وجهد.
رغبت الأمانة في ذلك اللقاء من جميع سكان جدة وهيئاتها العامة والخاصة والتطوعية المشاركة في تطوير مسودة هذه الخطة باقتراح ما يرونه ملائما على جميع محاورها من خلال الدخول على موقع الأمانة الإلكتروني، وهو الموقع الذي طورته بمهارتها الفذة زميلتنا الفاضلة في كلية الحاسبات الدكتورة أروى الأعمى. وقد حوت مسودة الخطة 13 محورا غطت مجالات: تنمية المدينة، استخدام الأراضي، الاقتصاد المحلي، البيئة، الخدمات الاجتماعية، الثقافة والتراث، السياحة، النقل، البنية التحتية، إدارة الواجهة البحرية، المساحات المفتوحة والترفيهية، الإسكان، وأخيرا المناطق العشوائية.
لقد بات واضحا أن من لا يملك رؤية محددة لما يرغب في تحقيقه لن يحقق شيئا. فالخطط والرؤى مناهج تنير لأصحابها طريق العمل، ثم تبقى بعدها عزائم الرجال التي تحول هذه التطلعات المستقبلية إلى واقع مشاهد. لقد عكست الخطة طموح الأمانة لتحويل مدينة جدة إلى مدينة عصرية قادرة على تقديم مستوى حياة عالي الجودة لسكانها مع ضوابط بيئية تحمي مصالح الأجيال المقبلة، فضلا عن تطوير الخصائص التنافسية للمدينة خاصة في مجال الخدمات التعليمية والصحية والسياحية.
بيد أن الجميع يعرف مقدار ما تعانيه مدينة جدة من مشكلات بلدية وخدمية وبيئية، تفاقمت مع نمو سكانها وزيادة الهجرة إليها في وقت تراجعت مشاريعها الخدمية لأسباب مالية في مرحلة ما، فغدا عرض الخدمات يقصر بشدة عن مجاراة نمو الطلب عليها. كما يشكو البعض من بطء وطول الإجراءات الإدارية في الأمانة، وعدم مناسبة بعض التنظيمات التي عطلت مصالح الناس باسم المصلحة العامة. لذا سنجد الأمانة نفسها في سباق مع الزمن لتغير هذه الصورة عنها وحل الإشكالات والقضاء على تلك المعوقات.
من حق أية جهة أن تكون لها تصورات طموحة وآمال فسيحة لما ترغب في بلوغه، لكن من المهم أن تكون هذه التصورات واقعية وقابلة للتنفيذ. والحقيقة أن من شاهد العرض التعريفي لمسودة الخطة الاستراتيجية أشفق على أصحابها من مغبة المبالغة في الطموحات، بالنظر لما يعلمونه من جسامة التحديات الإدارية والتنظيمية وربما حتى المادية التي ستواجه أمانة محافظة جدة. وكما قال لي أحد رجال الأعمال المثقفين (تعليقا على مواضيع ورش العمل التي عرضت الأمانة على الناس المشاركة فيها أو إضافة غيرها) إننا في حاجة أولا إلى ورشة تناقش كيفية القضاء على الصعوبات الإدارية والتنظيمية داخل جهاز الأمانة وخارجها والتي قد تحول دون تنفيذ هذه الطموحات!
ليس من يعمل كمن يتكلم، وليس غرضنا من هذه الملاحظات الانتقاد المحض، فالتحديات صعبة جدا، وسكان جدة سعداء بهذه الطموحات، وهم أكثر سعادة وأرحب تفاؤلا بوجود رائد التنمية حاكمهم الهمام الأمير خالد الفيصل، وهم يتمنون من أعماق قلوبهم أن تتكلل جهود الأمانة تحت قيادته بالتوفيق والسداد. لن يلوم الناس جهاز الأمانة على أمور خارجة عن سيطرتها، لكن من المؤكد أن فشل الأمانة (لا قدر الله) في التركيز على معالجة التحديات البلدية الملحة والخطيرة التي تواجه سكان جدة سيجعل بعضهم يفكر جديا في الانتقال للعيش في مكان آخر! فهل تبدد هذه الخطة مخاوف سكان بوابة الحرمين الشريفين؟