مقومات نجاح مؤشرات قياس أداء الأجهزة الحكومية
يأتي إقرار مجلس الوزراء السعودي، إنشاء مركز لقياس أداء الأجهزة الحكومية بالمملكة، تحت اسم "مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية"، حيث يكون مقره (في المرحلة الأولى) بمعهد الإدارة العامة، ويرتبط مباشرة بمدير عام المعهد، في رأيي من بين أبرز الخطوات الإدارية الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة السعودية، في سبيل الارتقاء بأداء الأجهزة الحكومية السعودية، ولا سيما أن من بين أهم وأبرز الأهداف الرئيسة للمركز، تولي مهمة قياس أداء الأجهزة الحكومية، واستخراج مؤشرات أداء سنوية Key Performance Indicators - KPIs، يتم بموجبها قياس أداء وإنتاجية الأجهزة الحكومية، بما في ذلك قياس معدلات التغير، وإجراء المقارنة بين أداء الفروع للجهاز الحكومي الواحد المرتبطة بالإنتاج وبالفاعلية.
تجدر الإشارة إلى أن إقرار مجلس الوزراء السعودي، إنشاء مركز لقياس أداء الأجهزة الحكومية بالمملكة، يأتي تتويجاً للجهود المرتبطة بتقييم أداء الأجهزة الحكومية، التي بذلها معهد الإدارة العامة في الماضي، عندما أسس في وقت سابق وبالتحديد في عام 1425هـ، نظاما لقياس أداء الأجهزة الحكومية الخدمية في المملكة، والذي كان يهدف آن ذاك، إلى تحسين أداء الأجهزة الحكومية في مجال تقديم الخدمات، من خلال المواءمة والربط العلمي والعملي السليم بين احتياجات المواطن وأسلوب وطريقة إدارة وتنفيذ الأعمال بالأجهزة الحكومية المختلفة، بما في ذلك إدخال التعديلات اللازمة على التنظيمات والنظم واللوائح والإجراءات، بالشكل الذي يكفل تسهيل تنفيذ الأجهزة الحكومية لأعمالها، وبالذات التي لها علاقة وارتباط مباشر بحاجات المواطن، حيث يضمن المواطن في نهاية الأمر، الحصول على الخدمات العامة بالجودة والنوعية المطلوبة، ونتيجة للنجاح الذي حققه ذلك النظام، تم إقرار إنشاء مركز متخصص لقياس أداء الأجهزة الحكومية، يعنى وكما أسلفت بقياس أداء تلك الأجهزة وإدخال التعديلات اللازمة على الخدمات لتسهيل جودة تقديمها للمواطن والمتعاملين مع الأجهزة الحكومية.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية، وفقاً للقرار الصادر عن مجلس الوزراء، وكما أسلفت سيكون مقره في المرحلة الأولى في معهد الإدارة العامة، وسيكون كذلك تبعيته في المرحلة ذاتها إدارياً لمدير المعهد، ولكن وبعد إخضاع المركز في المرحلة للتقويم من قبل الجهات المستفيدة من خدماته ومن قبل مجلس إدارة المعهد، سيتم استقلاله في المرحلة الثانية عن معهد الإدارة العامة وربطه مباشرة برئيس مجلس الوزراء، باعتباره جهازا مستقلاً بذاته، ما سيضفي على الجهاز أهمية أكبر وفاعلية أكثر، وسيمكنه من تحقيق الأهداف المنوطة به باليسر وبالسهولة المطلوبتين.
دون أدنى شك أن استحداث مركز يحظى باستقلالية تامة، يعنى بقياس أداء الأجهزة الحكومية في السعودية، يعد خطوة إدارية ممتازة ورائدة على الطريق التصحيحي السليم، لأداء الأجهزة الحكومية في السعودية، ولا سيما أنه على الرغم من الجهود الحثيثة، التي بذلتها الحكومة السعودية في الماضي ولا تزال الرامية للارتقاء بأداء الأجهزة الحكومية، وبالذات التي تختص بتقديم الخدمات العامة الأساسية للمواطن، إلا أن المواطن لا يزال يعاني قصورا واضحا في أداء تلك الأجهزة وتدنيا في مستوى الخدمة، نتيجة للعديد من الأسباب، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ضعف مستوى التأهيل والكفاءة لمعظم العاملين بالأجهزة الحكومية، مما يؤثر في إنتاجيتهم وعلى جودة الأعمال التي يقومون بها، هذا إضافة إلى التضخم الوظيفي أو ما يعرف بالبطالة المقنعة، التي تعانيها معظم الأجهزة الحكومية، ما تسبب في اكتظاظ تلك الأجهزة بالعمالة الفائضة عن الحاجة، وبالتالي في عدم الاستخدام الأمثل للموارد البشرية المتاحة، والضعف الواضح في مستوى الإنتاجية.
من هذا المنطلق، في رأيي لن يتمكن مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية من القيام بالمسؤوليات المنوطة به، وتنفيذ المهام الموكلة إليه على الوجه المطلوب، بما في ذلك الاستخدام الأمثل لمؤشرات القياس، لابد من التعامل أولاً مع العديد من أوجه القصور، التي تعانيها الأجهزة الحكومية في المملكة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى ما ذكرته أعلاه، من ضعف التأهيل والكفاءة، والتضخم الوظيفي، غياب أو عدم وضوح الأهداف والمتطلبات الوظيفية، الأمر الذي سيصعب من عملية قياس الأداء والإنتاجية.
في رأيي كذلك أن نجاح مؤشرات قياس أداء الأجهزة الحكومية، يتطلب تبني الأجهزة والإدارات الحكومية، تطبيق واستخدام تكنيك إداري ومالي يعرف ببطاقة الأداء المتوازن Balanced Scored Card، التي تعمل على ترجمة رسالة المنشأة أو الجهاز الإداري الذي يستخدمها، إلى أهداف واضحة ومحددة قابلة للقياس.
خلاصة القول، إن استحداث جهاز مركزي ومستقل لقياس أداء الأجهزة الحكومية، أمر يعد في غاية الأهمية، ولا سيما في ظل القصور الواضح والتفاوت الملحوظ في أداء الأجهزة الحكومية في المملكة، وبالذات في تلك الأجهزة، التي ترتبط خدماتها ارتباطا وثيقا ومباشرا بحاجات المواطن، ولكن في رأيي سيظل نجاح هذا الجهاز أمراً مرهوناً بالقدرة على التغلب على العديد من نقاط الضعف، التي تعانيها معظم الأجهزة الحكومية في المملكة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، عدم وضوح الأهداف، مركزية الصلاحيات الإدارية، بيروقراطية الإجراءات، وضعف الكفاءة والتأهيل، الأمر الذي عادة ما يتسبب في شعور الموظف الحكومي بالإحباط وعدم الرضا الوظيفي، وينتج عنه انخفاض في الإنتاجية وتدن في مستوى الجودة.
في رأيي كذلك أن تعميم تطبيق الأجهزة الحكومية في المملكة، لتقنيات وأدوات وأساليب إدارية حديثة ومتطورة، سيساعد بشكل كبير على تحسين أدائها، التي من بينها على سبيل المثال بطاقة الأداء المتوازن، والتعاملات الإلكترونية، كما أن التغلب على تعدد المستويات الإدارية بالأجهزة الحكومية، وإقرار سياسة الثواب والعقاب، بما في ذلك القضاء على الفلسفة الشائعة بالأجهزة الحكومية، المتمثلة في توافر الأمن والاستقرار الوظيفي بالوظائف الحكومية، الذي عادة ما يصعب من فصل أو تسريح الموظف غير الكفء أو المتهاون والمهمل في أدائه عمله، سيساعد إلى حد كبير على نجاح المركز المذكور في أدائه لمهام عمله المنوطة به، هذا إضافة إلى نجاح مؤشرات قياس الأداء في تحقيقها لأهدافها المنشودة منها، والله من وراء القصد.