هل يرضَون عنّا؟

أتسألون من هم؟ هم من نحاول تقليدهم في فكرهم وقيمهم ومسيرتهم، أي العالم الغربي أو بالأصح القوى العالمية التي تسعى لتوحيد قيم وأخلاق وفكر العالم والتي يجئر منها حتى بعض الغربيين العقلاء.فإذا رضي المجتمع الغربي بالشذوذ الجنسي وشرعته أصبحنا رجعيين لأننا نرفضه، وعندما يتوصلون إلى أن تطبيق الحدود من الوحشية يندد البعض بها وهو يتباكى على إنسانية القتلة... إلخ. والمضحك هو أن بعضا منا يردد مثل هذه الأفكار وهو يظن (أو يحاول أن يوحي لنا بأن هذا من بنات فكره وضميره الإنساني، وفرق كبير بين صاحب الفكر والرؤية الفريدة التي قد تلتقي النموذج الغربي في بعض النقاط، وبين من يرفض ما يرفضون ويقبل ما يقبلون (وإن رفضه كثير من بني جلدتهم).. فلماذا نجد هذه الظواهر لدينا؟
هل هو من قبيل تقليد الضعيف للأقوى والمغلوب للغالب، كما قال ابن خلدون وغيره؟ لا شك أن هذا أحد الدوافع المهمة، فعادة ما ينبهر الإنسان البسيط بمن هو أقوى منه انبهارا يقترب من العبادة، فيُخيّل له أن ذلك القوي متفوق في كل المجالات وإلا لما صار قويا! وهي علّة في منهج التفكير، فالإنسان العبقري في الرياضيات قد يكون مثيرا للشفقة في الذكاء الاجتماعي، ولن يخطر ببال عاقل أن يجعل الفشل الاجتماعي سببا أو عاملا من عوامل العبقرية العلمية، وكذلك فإن النسق الاجتماعي للقوي - مثلا - لا علاقة له بالتفوق العلمي والتقني.
إذن فالمطلوب ليس رفضا عاطفيا وأعمى للثقافة الغربية بكل أوجهها، ولا الوجه الآخر للعملة نفسها وهو القبول والتبجيل الساذج لكل أوجهها بسبب تفوقهم في بعض الجوانب.. ولكن الكثيرين يقعون في هذين الفخين وبما أن موضوعنا معني بالفريق الثاني فسنركز عليهم..
فقد أصبحت الثقافة الغربية مادة للتسويق عبر الانفتاح العالمي، وظهرت فئة سجنت عقلها في إطار هذه المنظومة الفكرية فاحتضنتها بكُلِّيتها وصارت تُقيّم مجتمعها وقيمها حتى دينها في بعض الحالات بهذه المعايير(معايير لا يزال بعض أصحابها يراجعونها و ينتقدونها).. ومن هنا تأتي غالبية التوصيفات مثل التخلف والرجعية والتطرف و"التنوير"، فما يتفق مع الثقافة الغربية مستنير وما يختلف عنها أو معها رجعي، أي أن المرجعية هي الثقافة والقيم الغربية، وكأنه دين جديد.. وأتباعه (تكفيريون!) لمن يخالفهم.. وكمثال فلنأخذ قضية المرأة وحقوقها، فعلى حين أن المطالبة أن تأخذ النساء حقوقهن ومكانتهن في المجتمع قائمة على مبدأ راق وعادل لا خلاف عليه، إلا أن هذه مجرد بداية الطريق، ويأتي بعد ذلك تحديد ما هذه الحقوق؟ وما المعايير التي تضبطنا رجالا ونساء؟وهل النموذج الجاهز الذي يتمنى البعض تطبيقه مرغوب ومفيد لنا (أو حتى لأصحابه)؟ وهل طرقنا جميع الحلول أم أن هناك متسعا لتوليد الحلول الجديدة والمناسبة؟ كل هذا يستدعي دراسة ومقارنة موضوعية، أما ما نجده من بعض الفئات التي تستميت لتُظهِر للعالم الغربي كم نحن نتقدم (والدليل أن لدينا نساء في هذه الجهة أو تلك وكلما زاد عددهم كان أوقع، ولنظهر بعض الصور التي تثبت هذا، بغض النظر عن وجود أي تطور ملموس في مخرجات العمل) أو على الأقل أننا نحاول اللحاق بهم، فلسان حالهم يستجدي: "أترون كم نحن نقترب منكم؟هل رضيتم عنّا أم أن أمامنا المزيد؟".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي