تفكيك حركة الرابع من أيار في الصين
في مثل هذا الأسبوع قبل 90 عاماً، تجمع آلاف من الطلبة من جامعة بكين، وأماكن أخرى، في ساحة تيانامن التي كانت أصغر بكثير في ذلك الوقت، قبل أن ينطلقوا في مظاهرات عبر المدينة. وكانوا يتظاهرون ضد اليابان المفترسة، وضد قرارات الدول الغربية بإرضاء اليابان من خلال السماح لها بالاستيلاء على الامتيازات الألمانية في إقليم شاندونج، بدلاً من إعادتها إلى الصين في أعقاب هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.
غير أن معظم احتجاجاتهم كانت ضد ضعف الحكومة الصينية العاجزة عن حماية حقوق الصين، وكذلك ضد وجود صين ضعيفة. وكان المفكرون، حيث اعتبر الطلبة في ذلك الحين، وفي الوقت الراهن، أنفسهم من المفكرين، يؤيدون التعليم على الطريقة الغربية، ويعتقدون أن مبادئ كونفوشيوس كانت المسؤولة عن التخلف الصيني.
ودعوا إلى مفهومين غربيين هما العلوم والديمقراطية، وأطلقوا عليها وصف السيد علم والسيدة ديمقراطية. وأطلقت المظاهرات في ذلك اليوم فورة عاطفية وفكرية عصفت بالبلاد، حيث يتم تذكر تلك الأيام في أيامنا هذه باسم حركة الرابع من أيار (مايو) . وأدى هذا المد الوطني إلى إنشاء الحزب الشيوعي الصيني بعد عامين من ذلك. والواقع هو أن الامتزاج الشيوعي مع متظاهري عام 1919 كان من القوة، حيث إن التمثال الذي يمثل أبطال الشعب في ساحة تيانامن الآن يشمل منحوتات تصور متظاهري الرابع من أيار (مايو). ولا تزال هذه الأحداث تحترم حيث إن الرابع من أيار (مايو) هو يوم الشباب. كما أن الرئيس الصيني هو جنتاو، حث الشباب في الجامعة الزراعية في بكين، يوم السبت الماضي، على تبني صفات أربع هي: الوطنية، الالتزام، الممارسة الجادة، والتضحية ، لإعادة القوة إلى شعب الصين.
إن الحزب الشيوعي من خلال اعتباره الرابع من أيار (مايو) يوماً للشباب، وتوجيه الشباب حول كيفية إدارة حياتهم، يحاول إحياء روح الرابع من أيار (مايو)، وكذلك ترسيخ العقائد المثالية لشباب اليوم, غير أن ذلك لا يضمن النجاح على الدوام. ولا تزال مناسبة الرابع من أيار (مايو) نفسها يتم إحياؤها. ونشرت صحيفة الصين اليومية الرسمية مقالاً بعنوان "إرث حركة الرابع من أيار (مايو) مستمر". وجاء في المقال "أن المشاركين في تلك الحركة أيقظوا مئات الملايين من أبناء الشعب الصيني، وأشعلوا فيهم روح الحماس الوطني، وحققوا حشداً اجتماعياً غير مسبوق تحت شعار "دافعوا عن سيادتنا وعاقبوا الخونة".
غير أن المؤلف، كين هيسياوينج، الباحث في المؤسسة الصينية للدراسات الدولية والاستراتيجية الذي امتدح مثاليات العلم والديمقراطية، كان حريصاً على القول "إن هناك عدة صور لفهم الديمقراطية". وتجمع الطلبة مرة أخرى في الساحة ذاتها قبل 20 عاماً، حيث رأوا في أنفسهم أبطالاً لحركة الرابع من أيار (مايو). وعلى الرغم من حظر الحكومة ذلك، إلا أن الآلاف من طلبة جامعة بكين، وجامعة كوانغهو ، وجامعة بكين العادية، والجامعة الصينية للعلوم السياسية والقانون، وجامعات أخرى، انطلقوا في مسيرة من تلك الساحة رافعين لافتاتهم التي أطلقوها في الهواء. وشهد العام الماضي كذلك توقيع ألف من المثقفين على عريضة سموها الميثاق 08، في تقليد لميثاق 77 التشيكوسلوفاكي الذي أعلن قبل أكثر من ثلاثة عقود، حيث إن الموقعين استلهموا روح حركة الرابع من أيار (مايو).
وقد حللوا في وثيقتهم الأسباب الجذرية لمشكلات الصين خلال العقدين الماضيين، حيث قالوا إن "صدمة التأثير الغربي في الصين في القرن الـ 19، ولدت نظاماً تسلطياً متعسفاً ، بينما استهدفت حركة تقوية الذات التي تبعت ذلك تحسين التكنولوجيا لصناعة السفن الحربية، وغيرها من البضائع الغربية". ومضى الميثاق فأورد "إن حركة الرابع من أيار (مايو) أدت إلى تمجيد العلم والديمقراطية، إلا أن ذلك الجهد تعثر كذلك، بينما ساد حكم أمراء الحرب بكل ما حمل معه من فوضى ، وأدى الغزو الياباني إلى أزمة وطنية".
من الواضح أن حركة الرابع من أيار (مايو) لم تحل مشكلات الصين، ولكن مازال الناس في الصين يتحدثون عنها على الأقل في الوقت الراهن، كما أن من شاركوا فيها يعدون أبطالاً, غير أنه لا يسمح للناس بمناقشة أحداث ربيع عام 1989 التي أدت إلى إراقة الدماء في الرابع من حزيران (يونيو).
وبالمثل، فإنه لا يسمح الناس بالحديث عن وثيقة 08 التي تم سجن مؤلفها الرئيس، ليو كسيابو، كما أنه كان قد أدخل السجن بسبب مشاركته في احتجاجات عام 1989. ولا يتمتع هذه المرة بميزة سرعة التقديم إلى المحاكمة، وذلك بسبب دوره في صياغة هذه الوثيقة. والواقع هو أن الصين حققت نجاحاً في طريق النمو منذ الإعلان في سبعينيات القرن الماضي استهداف تحقيق محركات التحديث الأربعة، وهي: الزراعة، الصناعة، والعلوم والتكنولوجيا، والدفاع. وتخطط الصين الآن لصناعة حاملة طائرات، وإنزال رجل على سطح القمر.
وهكذا أثبت السيد علم جدواه وقدراته الذاتية، غير أن من المؤسف أن الأمر ذاته لا ينطبق على السيدة ديمقراطية، حيث إن مفهوم الديمقراطية ذاته موضع نزاع، إذ تم إبعاده عن حدود فهمه وإدراكه. وهكذا تظل أحلام متظاهري الرابع من أيار (مايو) دون تحقق.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: opinionasia