هل يمكن أن تستقل الصناعة بوزارة خاصة بها
تلطف معالي الأخ عبد العزيز الزامل وزير الصناعة والكهرباء السابق فبعث لي بنسخة على قرص مضغوط من لقاء تلفزيوني أجرته معه أخيرا إحدى القنوات الاقتصادية المتخصصة، تحدث فيه باستفاضة عن شؤون الصناعة والكهرباء. وقد سعدت أن جاءت أفكاره موافقة لما طالبت به في مقال سابق لي بعنوان "هموم الصناعة والصناعيين". قلت فيه: إن مشكلات الصناعة وتحدياتها اتسعت وتعقدت مع نمو النشاط الاقتصادي وزيادة الطلب على الإنتاج الصناعي لدرجة غدت فكرة العودة لفصل مهام الصناعة عن التجارة لها مبررات قوية.
والواقع، أن أهمية الصناعة كخيار استراتيجي لازم للمساهمة في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل، بجانب حاجتنا إلى سرعة تطوير النشاط الصناعي وتنميته وتذليل عقباته نتيجة اتساع التحديات والمنافسات التي تواجهه بعد انضمامنا لمنظمة التجارة الدولية، كل ذلك يستدعي تفرع وزير لتحمل مسؤولية إدارة وتوجيه النشاط الصناعي بعيدا عن هموم التجارة ومشكلاتها. وفي الملتقى الصناعي الرابع الذي عقد في الغرفة التجارية والصناعية في جدة منتصف الشهر الماضي تحت رعاية الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، أعاد الصناعيون ورجال الأعمال تأكيد رغبتهم هذه، وناشدوا سموه نقلها للمقام السامي.
ومما قاله المهندس عبد العزيز في ذلك اللقاء التلفزيوني، إنه أتى عليه وقت عندما كان وزيرا, شعر هو وزملاؤه في الوزارة أنهم راضون عن بعض الإنجازات. فقد نجحوا وقتها في تغطية نحو 92 في المائة من حاجة البلاد للكهرباء، وكان لإنشاء منطقتي الجبيل وينبع الصناعيتين وإنشاء "سابك" دور فعال في تطوير الصناعة التحويلية والمساهمة في تنويع الدخل الوطني. ومع ذلك، فهو عندما ينظر اليوم للماضي يشعر أن ذلك الرضا الذي انتابهم يتوارى مع زيادة التحديات التي تواجه قطاعي الصناعة والكهرباء. وأكد أن بلوغ أية أهداف اقتصادية لا يمكن أن يتحقق دون دعم كامل من جميع القطاعات الحكومية. فتحقيق هدفنا الاستراتيجي في رفع مساهمة الصناعة في الناتج "الدخل" الوطني من نحو 10 في المائة إلى 20 في المائة، وزيادة نسبة الصادرات الصناعية من نحو 15 في المائة إلى 35 في المائة بحاجة إلى التزامات مستمرة من قبل الدولة لخدمة هذا القطاع. وأن الالتزام بتحقيق مثل هذه الأهداف فضلا عن أهمية التصدي لمشاكل وهموم نحو أربعة آلاف مصنع في بلدنا، ناهزت استثماراتها نحو 300 مليار ريال ومبيعاتها نحو 120 مليار، هي فعلا بحاجة إلى وزير متفرغ للصناعة، يستطيع متابعة وتذليل مشكلاتها، ويضع السياسات والحوافز الكفيلة ببلوغ هذه الأهداف الاستراتيجية. فعلى سبيل المثال لا يمكن تصور تحقيق هذه الأهداف دون دعم الدولة العاجل لتلبية حاجة مئات المصانع في مناطق عديدة في المملكة لتوسيع المناطق الصناعية من أجل تمكينها من إقامة مشاريعها الجديدة أو تنفيذ خططها التوسعية.
وأضاف أن التزام الدولة بإقامة منطقتين صناعيتين في الجبيل وينبع قد آتت أكلها، فكل مليون ريال استثمر في هاتين المنطقتين أثمر ستة ملايين ريال، وكذا الحال بالنسبة للمناطق الصناعية الأخرى. لذلك لابد من الالتزام بدعم هيئة المدن الصناعية بما يكفي لتحقيق الأهداف المحددة. إن مبلغ ملياري ريال، وهو ما تم رصده لجميع المدن الصناعية في المملكة في الموازنة الماضية لمدها بالخدمات الأساسية، غير كاف ولا يخدم تشجيع زيادة الاستثمارات الصناعية، فهذه المدن بحاجة على الأقل إلى خمسة مليارات ريال في هذا العام. كذلك لابد من التزام جميع الجهات الحكومية بمبدأ شراء المنتجات الوطنية طالما التزمت المصانع بمواصفات ومستوى جودة موافقة لما تشترطه هيئة المواصفات والمقاييس، وهذا مبدأ تعمل به جميع الحكومات. وأكد الوزير السابق أن صندوق التنمية الصناعي قام بدور كبير ومؤثر في توفير القروض لقطاع الصناعة، بيد أن دعم دوره كبنك صناعي في حاجة اليوم إلى استقلاله إداريا عن نظام الخدمة المدنية للمحافظة على الكفاءات الإدارية والبنكية التي أخذت تتسرب لخارجه. شكرا معالي الأخ، فعلا .. بلوغ المرام يقتضي الالتزام!