Author

الجمعيات العمومية .. الرتابة وضعف الوعي يفقدانها الدور الرقابي

|
من يملك الشركات المساهمة؟ سؤال بديهي يجيب عنه أي رجل يمر في الشارع دون مبالغة، لكن السؤال الذي تتلعثم الألسن عند الإجابة عنه هو: لماذا يغيب المالكون الحقيقيون عن محاسبة من فوضوهم لإدارة أملاكهم؟ وبعبارة أخرى لماذا تكون الجمعيات العمومية التي تنعقد لدينا تغلب عليها صفة الرتابة وتخلو من أسئلة ونقاشات معمقة عن أحوال الشركة وخططها المستقبلية وتخلو من محاسبة حقيقية لمجلس الإدارة؟ حسب نظام الشركات السعودي وهو النظام التجاري الأقدم لدينا فإن الجمعيات العمومية أو جمعيات المساهمين هي أعلى سلطة في الشركة وهي تنعقد مرة واحدة كل عام وتسمى بالجمعية العمومية العادية، أما إذا كانت هناك بنود غير عادية مثل رفع رأس المال أو تخفيضه أو مد عمر الشركة أو تعديل في نظامها الأساسي فتكون الجمعية غير عادية، وفي كل الشركات المساهمة تنعقد مرة واحدة جمعية تسمى الجمعية التأسيسية عند صدور الموافقة الرسمية على تأسيس الشركة من أجل إقرار النظام الأساسي والتأكد من إيداع رأس المال في حساب الشركة وبغرض تعيين أول مجلس إدارة للشركة كذلك. ومن الواضح أن النظام حاول أن يعطي جمعية المساهمين باختلاف مسمياتها الأهمية القصوى في موضوع الرقابة على أعمال الشركة ومساءلة مجلس إدارتها والحصول على تقارير عن أحوالها المالية عن طريق مجلس الإدارة ومراجع الحسابات ولجنة المراجعة، لكن محاولات المشرع لم تنجح في إعطاء الجمعية ما تستحقه من أهمية، فلم يمارس المساهمون على أرض الواقع دورهم المرسوم، وطغت على اجتماعات تلك الجمعيات فوقية رئيس وأعضاء المجلس، فربما يشعر المساهمون أن الأشخاص الذين يجلسون فوقهم في المنصة هم أقوى منهم ولا يحق لهم محاسبتهم أو الاسترسال في مناقشتهم، في حين أن الواقع عكس ذلك. ما دام أن رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس يتقاضون مبالغ مالية من الشركة، فهذا يعني أنهم أجراء لدى المساهمين لإدارة الشركة حتى لو كانوا يمتلكون حصصا كبيرة في رأس المال، وهنا تكون المغالطة التي تفضي للاستعلاء على المساهمين فبعض رؤساء مجالس الإدارة يعتقدون أنهم مفوضون من الأغلبية التي تمتلك أسهم الشركة فيتهاونون في أداء عملهم حسبما تنص عليه الأنظمة ولسان حال كل منهم يقول: نحن من يملك معظم الأسهم في هذه الشركة ونحن نعرف كيف نديرها ولا داعي لأن تسترسل أيها المساهم في أسئلة تضيع وقتنا، وبعبارة أخرى (إحنا مو فاضين لك). وحيث إن الحال لا تسر في هذا الموضوع على الأقل من وجهة نظري الشخصية فالمطلوب تعديل نظام الشركات الذي وضع في الأساس لمساهمين يمتلكون وعيا كافيا بحقوقهم ولشركات تعمل في بيئات متقدمة وليس لمساهمين لا يجرؤون على انتزاع إجابات كافية ووافية من أعضاء المجلس أو أن الظروف البيئية لا تخدمهم في الحصول عليها، وأعني بالظروف البيئية ما تعارف الناس عليه في مثل هذه الاجتماعات وأصبح عادة أو عرفا لا يرغب أحد في كسره، وأقصد بذلك أن يتضمن نظام الشركات نصوصا صريحة تكفل حق المساهمين في الرقابة على أعمال الشركة بما في ذلك حقهم في عزل أعضاء المجلس ومحاسبتهم إذا ما ثبت تهاونهم في الحفاظ على أصول الشركة أو ساهموا في تكبيدها خسائر كبيرة، كما أن عقد اجتماع واحد كل عام لا يخدم مصالح المساهمين وينبغي أن تكون هناك اجتماعات دورية بمن حضر تعقد في نهاية كل ربع لمناقشة نتائجها الفصلية والاستماع إلى خطط مجلس الإدارة للمرحلة المقبلة. في ظل التقدم التقني لا أعتقد أن الحضور الشخصي للمساهم أمر ملح وضروري إذا ما أخذنا في الحسبان أن كثيرا من المساهمين لا يسكنون في مقر الشركة الرئيس، فهناك طرق تقنية تكفل حضور معظم المساهمين وهم في بيوتهم، وإذا كان العرف الذي تعارف الناس عليه يقول إن الجمعيات العمومية تعقد في ساعات محدودة وربما تنتهي أعمالها خلال ساعة واحدة، فهذا أمر مؤسف أن يحصل، فالاجتماعات من هذا النوع لا ينهيها رئيس مجلس الإدارة حسب مزاجه وإنما ينهيها انتهاء المناقشات حول بنود الاجتماع حتى لو طالت لساعات أو لأكثر من يوم واحد، فهذا حق للمساهمين لا يبخسه رئيس المجلس. أخيرا فإن من ثغرات نظام الشركات المتعلقة باجتماعات الجمعية العمومية هي أن رئيس الاجتماع هو رئيس مجلس الإدارة في حين ينبغي أن يكون رئيس الاجتماع أحد المساهمين من غير أعضاء المجلس أو من المحايدين، لأن في استمرار الوضع الحالي تكريسا للسلطة الفوقية التي يطل بها الرئيس على المساهمين وفيه إخلال بروح النظام الذي قصد أن تكون الجمعية مرجعا لمجلس الإدارة وليس العكس.
إنشرها