شعارات و آراء..وخمول فكري!
هل الإسلام هو الحل؟ سؤال طرحه أحد القراء الكرام تعليقا على المقال السابق (الفردية أم الجماعية)، ولعل كثيرين منكم يجاوبون بنعم مُدَوّية، وآخرون يرون أن هذه "اسطوانة" قديمة وشعار مجوف. وبغض النظر عن نوايا الفريقين، فإن الآراء المتضاربة قد تثمر حلا إذا ما وجدنا طريقة لاستخلاص المقصد الأساسي لكل منها.فقد يتنازع زوجان مثلا على وجهة سفرهما، فالزوج يريد جزر المالديف والزوجة تصر على لندن،فكيف يتفقان؟ هل يذهب كل منهما في طريقه؟ممكن.. إلا أنه ليس حلا أمثل بل قد يكون مضرا..ولكن ماذا لو فهم كل منهما سب اختيار الآخر للبلد الذي يود زيارته؟ فالزوج يصبو إلى البحر والرياضات المائية ، والزوجة تريد المدينة والتسوق..أليس ممكنا أن يتفقا على بلد ثالث يجمع بين مرادهما:بيروت مثلا،ألن يحل ذلك الإشكال؟ بالتأكيد، إلا أن الوصول لهذا الحل يقتضي استعدادا لدى الطرفين للتخلي عن الجمود والعناد، والتفكير في حل نافع يرضي مطالب الطرفين.
ولكن ما علاقة المشاكل الزوجية بقضيتنا؟ نعم، أعترف أني استطردت قليلا، إلا أن عذري أن هذه الطريقة في التفكير قد تلقي بالضوء على الخلاف الذي أشرنا إليه في مطلع الحديث..فالفريق الأول (الذي يرى أن الإسلام هو الحل) يؤمن بأن هذا المنهاج الذي أتانا به محمد عليه الصلاة والسلام هو وحي الخالق،وفيه شمول لقصة العالم والإنسان، وفيه تفسير وتحليل لكل الأحداث التي تمر على المجتمع الإنساني. أي بمعنى آخر فيه فلسفة كاملة (وعذرا للمُتحسسين من هذه الكلمة) للتاريخ البشري دون إغراق في التفاصيل التي لا سقف لها والمتغيرة من عصر إلى عصر. وبالطبع ما من مؤمن إلا ويعتقد بذلك يقينا، ولكن الوقوف عند هذا الحد يفتح الباب للتشكيك في هذه الحقيقة، وللقول بأن هذا الرأي ما هو إلا حنين للماضي وقصور عن فهم الحاضر و تحدياته وعجز عن التفكير المنهجي العلمي، بل إنه يعطي وزنا للرأي الذي يقول بإن هذه مجرد شعارات لا فائدة منها،لأنها - ونتيجة لخمول المسلمين الفكري - باتت فعلا مجرد شعارات..ومن ناحية أخرى- ولئلا يفرح فريق دون الآخر - فإن الذي يقول بعدم جدوى هذه الآراء يعاني هو الآخر نفس الخمول الفكري، فقد قنِع برأيه واستقر على رفضه التلقائي اللاإرادي والذي مُحَفِّزه كلمة (إسلام).. وهكذا، دون أن يعمل عقله ودون أن يبحث ويفهم المنهج الإسلامي بمعزل عن تطبيقات البشر التي غالبا ما تكون ناقصة أو مشوهة (في الإسلام وفي غيره)، وباعتماده الكسول على آراء سمعها من هنا أو من هناك، يُخرج أخونا من جعبته شعاراته هو القديمة المكررة ويقول (أساطير الأولين).
إلا أنه في الحقيقة - ولابد أن نحسن الظن هنا- يريد حلا عمليا للمشكلة، والمنادون بالحل الإسلامي لا يوفرون هذا الحل.فماذا لو جلس الفريقان إلى طاولة النقاش وحاولوا تصفية عقولهم ونفوسهم من الأفكار الميتة، وسعوا إلى فهم مقاصد كل منهما والتوصل إلى صيغة نافعة؟فالفريق الأول يريد تطبيق الإسلام..ممتاز، كيف؟ كيف نستخدم هذا المنهج لصياغة معادلة معاصرة قابلة للتطبيق؟ وأنتم ، مللتم من الشعارات "الإسلامية"؟ حسنا، اتركوها جانبا، وانظروا للمصدر وادرسوه بعقل منفتح كما تجتهدون في دراسة الفلسفات الوضعية ،وحاولوا بفكركم المستنير استخلاص الفوائد. فحتى غير المسلمين (الغرب تحديدا) قد بدأوا يلتفتون للنظرة الاقتصادية مثلا في المنهج الإسلامي والاستفادة منها، أليسوا هم مضرب المثل في التفكير العلمي المتحرر من جمود الماضي و ثقله؟ أم أنكم أكثر استنارة منهم؟ ففي نهاية الأمر، تفرض الفكرة القوية المنيرة نفسها على العقل الحر المحب للحقيقة، إلا أن الفكرة القوية تحتاج إلى بشر يحولها إلى واقع مُشِع.