إطلاق المشروع على المسار الصحيح

[email protected]

بما أن هدف القيام بأي مشروع هو الحصول على المنفعة المرجوة، التي سيتم الحصول عليها من خلال استخدام ما ينتج عن المشروع من منتجات أو خدمات، فإن النتائج العكسية لذلك تعني فشل المشروع. وتعود أسباب فشل المشاريع إلى أمور عديدة، أبرزها الاختيار الخاطئ للمشروع، الذي قد لا يتلاءم أو يتجانس مع الخطة الاستراتيجية الخاصة بمالك هذا المشروع. وفي هذه الحالة، فإنه لا فائدة ترجى مما يسفر عنه المشروع عند تمام إنجازه، بل قد يعود بالضرر على المالك في بعض الأحيان، مما يستلزم استثمار المزيد من المال والموارد لتخفيف آثار هذا الضرر.

ومن هذا المنطلق، فقد حدد علم إدارة المشاريع الخطوات الواجب التقيد بها عند إطلاق مشروع ما، وتبيان أهميتها في مستند يعرف باسم "ميثاق المشروع"، يتم إعداده قبل إطلاق المشروع مهما كان حجمه، وهو يعد بمثابة تفويض رسمي من الإدارة العليا للبدء بدراسة وتحديد خطة عمل المشروع، ومن ثم تنفيذ ومتابعة تلك الخطة إلى أن يتم الانتهاء منها وتغليق المشروع.

لإعداد "ميثاق المشروع"، يقوم مدير المشروع الذي أعطي تلك المسؤولية، بدراسة جميع المستندات المتوافرة عن المشروع المراد إطلاقه، التي تشمل دراسة تبين مدى الحاجة إلى الخدمات والمنتجات التي سيخلص إليها المشروع وأهميتها لتحقيق الغايات والأهداف الاستراتيجية التي تنوي الهيئة المالكة تحقيقها من خلال الاستثمار في هذا المشروع. وفي بعض الأحيان، تكون تلك الدراسات بمثابة دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع والتي تأخذ بالاعتبار الفرص التي سيحققها المشروع، إضافة إلى المخاطر التي قد يتعرض لها. ويتم عرض تلك البيانات من خلال بيان المصاريف كافة، بما فيها تكلفة تنفيذ المشروع، وتكلفة إدارة وتشغيل المنتج النهائي، وتكلفة تمويل المشروع وغيرها.

من جهة أخرى، يتم تحديد المنافع والعائدات التي ستنتج عن تشغيل واستثمار المنتج النهائي والخدمات التي سيحققها المشروع. ومن خلال دراسة وتحليل المصاريف والدخل المتوقع، يتم حساب ما يعرف بـ "القيمة الصافية الحالية" NPV أو "معدل العائد الداخلي" IRR للمشروع، ويستخدم كل من هذين للدلالة إن كانت الفرصة الاستثمارية للمشروع مجدية اقتصادياً أم لا.

ولبيان ذلك، لنفترض وجود مشروع يتطلب استثمار مبلغ وقدرة 80 مليون درهم خلال ست سنوات، الذي سينتج عنه مردود مادي من خلال استغلاله بما يعادل 102 مليون درهم، وذلك خلال مدة السنوات الست ذاتها. لكي يتمكن المستثمر من تقييم تلك الفرصة بأسلوب صحيح ومنطقي، يجب أولاً تحديد كيف سيتم استهلاك الكلفة المتوقعة للمشروع واسترداد العائد المتوقع لكل عام من السنوات الست للحياة المفترضة للمشروع. بناء على ذلك، تبين أن استهلاك الـ 80 مليون درهم المرصودة للمشروع سيتم بواقع عشرة ملايين لكل من الأعوام الثلاثة الأولى، و15 مليوناً لكل من العامين الرابع والخامس و20 مليوناً في العام السادس. وأما بالنسبة للعائد المالي والذي قدر بـ 102 مليون درهم، فسيتم الحصول على 12 مليون درهم في العام الثاني، ثم 16 مليوناً للعام الذي يليه، ثم 20 مليوناً في الرابع، و24 مليوناً في الخامس، و30 مليوناً في السادس.
بعد ذلك، يتم احتساب القيمة الحالية Present Value لكل من المصاريف والعوائد من خلال استخدام المعادلة الحسابية التالية:

القيمة الحالية = القيمة المستقبلية ÷ (1 + نسبة الفائدة) العام المتعلق بالقيمة المستقبلية

حيث يتم من خلال هذه المعادلة تحديد القيمة الحالية لمبلغ ما في عام ما، مع الأخذ بعين الاعتبار نسبة الفائدة على المال التي تأخذ في الحسبان نسبة التضخم والمخاطر وغيرها. ولتوضيح ذلك، فالقيمة الحالية للعائد المتوقع في العام السادس والذي يبلغ 30 مليون درهم على افتراض أن نسبة الفائدة هي 18% تساوي 30 مليون ÷ 61.18 = 11.112.946 درهم. فإذا ما طبق ذلك على مجمل المصاريف والعوائد فتكون القيمة الحالية للمصاريف 43.444.831 درهم، والقيمة الحالية للعوائد 50.275.652 درهم. أي أن القيمة الصافية الحالية لهذا المشروع تبلغ 6.830.820 درهم، وهو أمر إيجابي يدل على فرصة استثمارية جيدة.

أما إذا قرر استخدام حساب معدل العائد الداخلي IRR، فسيتم تحديد نسبة الفائدة التي إذا ما استخدمت في المعادلة الخاصة بحساب القيمة الحالية، المذكورة أعلاه، تتساوى القيمة الحالية للعوائد للمشروع مع القيمة الحالية للمصاريف. فإذا حاولنا تحديد نسبة الفائدة التي ستجعل القيمة الحالية للمصاريف تعادل تلك للعوائد، سنجد أن نسبة تلك الفائدة، والتي تسمى معدل العائد الداخلي، هي 42 في المائة. وعلى فرضية أن مالك المشروع يعتبر أن 18 في المائة هي أقل عائد مقبول لأي فرصة استثمارية، فإن هذا المشروع يمثل فرصة استثمارية جيدة وعلى المالك المضي قدما في المشروع.

بالطبع، هناك مشاريع أو فرص استثمارية أخرى قد يصعب فيها على المستثمر إعداد مثل تلك الدراسة، وذلك لأسباب عديدة، في مقدمتها أن المنتجات أو الخدمات التي سيتم الحصول عليها ليس لها قيمة مادية فقط، بل قد يكون لها قيمة معنوية أيضاً. وفي بعض الأحيان يكون هناك ترابط وثيق بين المنفعة التي يتم الحصول عليها من مشروع ما والمنفعة من مشروع آخر بحيث لا يمكن التخلي عن أحدهما وإن كان غير مجد اقتصادياً. ولإجراء هذا التحليل، يتم استخدام أساليب حسابية متقدمة تعرف بالبرمجية الخطية.

ومثال على ذلك، لنفترض أن شركة ما بحاجة إلى تسويق خدماتها ومنتجاتها في المنطقة، وعليها تحديد حجم المشاريع التي تود إطلاقها في مجال الإعلام المرئي والمكتوب، إضافة إلى الحملات الإعلانية الأخرى. ولكي تتمكن الشركة من تحديد ذلك، يتم تطوير معادلات حسابية تأخذ في الاعتبار أثر تلك المشاريع المختلفة مجتمعة في التغطية الإعلامية المراد الحصول عليها، والكلفة الإجمالية للمشاريع، والفئات العمرية والمهنية المراد الوصول إليها وغيرها. بعد ذلك، يتم استخدام "البرمجة الخطية" لحساب القيمة المثلى لكل مشروع على حدة، حيث تشكل هذه القيم مجتمعة أفضل الحلول للغايات المطلوب تحقيقها.

كما يتم من خلال تلك المرحلة الأولية دراسة وبيان البدائل المتوافرة لتحقيق الغايات المرجوة من المشروع وتحليل تلك البدائل من حيث الكلفة والمنفعة والمخاطر التي ينطوي عليها كل بديل على حدة. وتجري أيضاً دراسة مدى ملاءمة هذا البديل لبيئة المشروع. وبناء على ذلك، يتم إعداد توصية بالبديل الأفضل، وبيان الخطة العامة التي سيتم اتباعها وصولاً إلى الغايات المرجوة.

إضافة إلى ذلك، يتعين على مدير المشروع دراسة وتحليل الأطراف ذات الصلة بالمشروع، والتي من المفترض أن تكون دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع قد حددتها. وتعرف تلك الأطراف في علم إدارة المشاريع بـ "أصحاب المصلحة" - حيث يكون لها أهمية قصوى في نجاح أو فشل المشروع، علماً أن مصلحة هذه الأطراف قد تنطوي على تأثيرات إيجابية أو سلبية في النتائج المرجوة من المشروع. كما يمكن أن يكون لأصحاب المصلحة تأثير مباشر أو غير مباشر في مسار المشروع، وذلك من خلال دورهم كصناع قرار أو مساعدين في اتخاذ القرار، أو كمستفيدين أو ضحايا من النتائج والخدمات التي سيقدمها المشروع.

ومثال على ذلك، لنفترض أن هيئة حكومية لديها مشروع لترشيد استهلاك المياه على مستوى الدولة بشكل عام، ما يعني أن أصحاب المصلحة الواجب أخذهم في الاعتبار ينتمون إلى العديد من القطاعات الحكومية والمجتمع المدني. ولو أخذنا القطاع الزراعي، على سبيل المثال، فإن العاملين فيه ليس من مصلحتهم نجاح مشروع ترشيد استهلاك المياه، إذ سيعود ذلك بالضرر على محاصيلهم الزراعية، فضلاً عن المصاريف الإضافية التي سيتحملونها لتحسين أساليبهم في الري واستخدام المياه ومنشآتهم ذات الصلة.

ولهذا، يتعين على مدير المشروع تحديد أصحاب المصلحة ومدى تأثيرهم في المشروع، وذلك لدراسة كيفية التعامل معهم بما فيه المصلحة العليا للدولة والغايات المرجو تحقيقها عند دراسة وتخطيط المشروع في المرحلة التالية. وقد يتطلب الأمر إيجاد بدائل أخرى لأصحاب المصلحة هؤلاء لكي تخفف من معارضتهم للمشروع أو أن تحفزهم على المشاركة الفاعلة لإنجاح المشروع.

عقب إتمام مدير المشروع دراسة المستندات المذكورة آنفاً، يبدأ بإعداد "ميثاق المشروع" الذي يحدد وصفاً موجزاً للمشروع، إلى جانب كونه تفويضاً رسمياً لإطلاق المشروع، مع بيان العوامل والأسباب التي أدت إلى اتخاذ القرار باختيار هذا المشروع، والفائدة المرجوة والمتوقعة عند الانتهاء من إنجاز المشروع. كما يتم أيضاً بيان العلاقة بين المشروع والغايات والأهداف الاستراتيجية التي ستحقق عند الانتهاء من تنفيذ هذا المشروع. وسيتم شرح ذلك في الحلقة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي