حالة رغد صدام حسين..والشخصنة
يواصل الأمريكيون لعبة شخصنة العدو لإخفاء المآرب الحقيقية. بينما كان الهدف الأعظم للأمريكيين سرقة نفط العراق والهيمنة على حقوله كما اتضح للعيان. كانت الذريعة القضاء على رمز من رموز الدكتاتورية والقمع هو صدام حسين, وحتى يتم تأمين أفغانستان تم وضع أسامة بن لادن الحليف السابق لأمريكا في صورة الشيطان الذي ينبغي قتله في فيافي أفغانستان, وأصبحت أفغانستان مثل العراق مستعمرة بكل ما تعنيه الكلمة للأمريكيين, ولكن بن لادن ورفاقة ما زالوا على قيد الحياة. والحالة الثالثة مع جورج بوش هي حالة أحمدي نجاد الذي يجري تصويره في صورة الشيطان الذي شجع الإرهاب, ولا أدري لو أن "جريمته" هي دعم المقاومة ضد الأمريكيين لماذا لا ينظر إليه الأمريكيون نظرتهم للافاييت الفرنسي الذي دعم الأمريكيين ضد الإنجليز أثناء حرب الاستقلال الأمريكية التي انتهت سنة 1777 باستقلال الولايات المتحدة. ولا شك أن من يدعم شعبا ـ إن صدقت الادعاءات ـ ضد مستعمريه يدخل في قائمة الملائكة. ولن أخوض طويلا في حالة إيل سونج الزعيم الكوري الشيطاني الذي سكتت أمريكا عنه أخيرا، هل لنفاد روح الشيطان لديه أم لأنه أذعن؟
وفي حالة الشيطان نورييجا في بنما نجحت القصة وتم تنفيذ السيناريو ويقبع الرجل الآن في سجون أمريكا ليقضي عقوبات بالسجن (لاحظ أنه كان رئيس دولة ضعيفة)، وقد شنق صدام لأنه كان الخاسر ولا بد من اختفائه لتسهل المهمة, أما الآن وبعد التعثر الأمريكي الواضح في العراق والصراع في أروقة الإدارة حول البقاء أو الانسحاب وما يتردد عن خلافات بين واشنطن والمالكي الذي يرفضه الأمريكيون لأنه لم ينجح في إسكات المقاومة واستيعاب الصراعات السياسية، فوجئنا بطلب مقدم من العراق للمملكة الأردنية الهاشمية بتسليم السيدة رغد صدام حسين للسلطات الأمريكية في العراق. (يلاحظ أن العمليات التي لا تتمتع بإجماع شعبي أولها سمة القذارة تعطى للمالكي لتنفيذها حتى يقول لك الأمريكيون إنهم يحترمون استقلال القرار العراقي, مع أن أية خطوة لا تتم في بغداد دون بصمة أو ختم أمريكي).
ولنا وقفة تساؤل هنا .. بصرف النظر عن الاختلاف أو الاتفاق السياسي مع صدام حسين فإن ابنته أصبحت أقرب إلى البطل التراجيدي في الروايات الإغريقية حيث يحيط سوء الحظ بالبطل, ويبلى بالمصائب الواحدة تلو الأخرى دون ذنب جناه, فالسيدة رغد فقدت زوجها الذي اتهم مع شقيقه (وزوج شقيقتها في آن واحد) بالعمالة لأمريكا وتقديم أسرار ممنوعة, فاستحق في رأي نظام صدام وعشيرته الموت (وأكرر لأنه أعطى ما لا يجب للأمريكيين), ثم هزم الجيش العراقي وبدأت تصفية رموز الحزب وكانت الخسارة هنا شقيقيها عدي وقصي ثم جاءت ذروة المأساة بالنسبة لها عندما قتل الأب على مشنقة المحتل, وكتب عليها أن تعيش لاجئة هي ومن تبقى من أسرتها، وعندما تثور الدعوى بتسليمها فإننا نقرأ أكثر من مدلول ومغزى:
أولا: الصراع العنيف الدائر في واشنطن ورغبتها في ممارسة الشخصنة أي تجسيد القضية في أشخاص لأن ذلك أدعى إلى تشتيت الاهتمام من العام إلى الخاص، وهو ما يتفق مع ثقافة صنعتها علاقة قديمة مع السينما, حيث يتحول الصراع إلى حرب بين الطيب والقبيح والشرس والشرير. وتنتهي اللعبة عادة بقتل الشرس، فتبقى الملائكة وتغيب الشياطين.
وقد صعق بوش لأنه أثبت ضعفه الشديد فيما يتعلق برسم صورة الشيطان. فعندما حاول رسم هذه الصورة لحسن نصر الله خرج الشيخ حسن بطلا مظفرا واقتنع القاصي والداني أن الدفاع عن تراب الوطن أجدى من الدخول في معارك بين الشيعة والسنة. وعندما ضغط بكل وسائل إعلامه لإبراز أحمدي نجاد بأنه شرير يكره البشرية، اكتسب الرجل شعبية لم يكن يحلم بها لأنه يمارس ما مارسته الحبيبة إسرائيل والهند الصديقة وباكستان الحليفة. ونظرا لأننا في عهد مختلف وفي عصر الثورة الإلكترونية فالناس يعرفون أكثر مما يظنه أولياء أمور السياسة وتفشل الشخصنة مرة ثالثة مع أسامة بن لادن خاصة عندما لجأ أغبياء الدعاية الأمريكية للربط بينه وبين صدام حسين، والحقيقة أن الرجلين كانا على طرفي نقيض. وأصبح الموقف بين بوش وبن لادن مضحكا، حيث ما زال الأول يحمل الأخير كل المآسي والمشاكل التي تواجهها أمريكا، دون أي دليل يؤكد صدقه. ولقد كان كذب بوش في الادعاء بوجود أسلحة نووية في العراق سابقة أفقدته مصداقيته. وعندما يعهد لموظفه في العراق التقدم بطلب اعتقال وتسليم رغد صدام حسين فهو يسقط في سقطة جديدة لن تفيده في ممارسة اللعبة القديمة. فأقصى ما يمكن تقديمه من اتهامات أو ادعاءات للسيدة رغد هو رثاء والدها وإخوتها والبكاء على حالها بصوت مرتفع، وهي لم تشارك في الحياة السياسية العراقية إبان حكم والدها لأن ذلك كان من طبيعة صدام بعدم إشراك نساء أسرته (زوجته, بناته, شقيقاته, وصديقاته) في لعبة السياسة. وهي حقيقة يعرفها الجميع ما عدا أصحاب بطاقات الائتمان التي تصب من وكالة الإعلام الأمريكية أو الدائرة المحدودة والمعروفة بالقصور فيما يتعلق بحقائق السياسة الدولية.
وقد يكون من وراء أهداف وكالة USIS (الخدمات الإعلامية الأمريكية) في إثارة هذا الموضوع عبر المالكي, إنتاج ضربة إعلامية على طريقة BEST SELLER لاستهلاك مرحلة زمنية خاصة بالنسبة للرأي العام الأمريكي المسكين الذي يتعرض للتعمية والتعتيم باستمرار. ويود المسؤولون هناك شغله بأخبار عن العراق دون إشراكه فيما يجري حقيقة في العراق من قتل للجنود الأمريكيين وحالات انهيار عصبي متزايدة وسخط مدني يتنامى.
وأهمية رغد من وجهة نظر مخططي اللعب الإعلامية أنها تحمل اسما شريرا، نجحت عمليات استغلاله في إكساب الأمريكيين أرضا ونفطا ونفوذا ووجودا وتهديدا لمنطقة بأكملها وتأمينا للحليف الحقيقي الوحيد فيها وهو إسرائيل، والعودة إلى اسم صدام حسين هو بسيكولوجية التداعي عملية تحقق الكثير من المآرب السياسية.
ويصعب توقع خروج المالكي من الفخ الذي سقط فيه إلى شعر رأسه وهو الطاعة والامتثال، مهما تذرع بأنه جاء عبر انتخابات حرة وكان مقتدى الصدر هو المرشح الأكبر للشخصنة القادمة لأنه لا يبدي الامتثال الكافي لنجاحه في اختبارات الولاء. ولكن سخونة الموقف داخل العراق جعلت المالكي وقياداته الأمريكية تيمم الوجه تجاه الخارج. وقد يكون هناك بعض المعقولية فيما ذهب إليه البعض وهو رغبة المالكي أو نفر من حوله في إعادة البعث, عبر المطالبة برغد ثم السكوت عن ذلك, ثم تتوالى اجتماعات التنسيق التي ترمي واشنطن من ورائها إلى إعادة بعث جديد بلا أنياب ولا مخالب للمساهمة في إعادة الهدوء والاستقرار لتمكين العراق من القيام بخطوة أمريكية مطلوبة وهي التصدي لإيران وزحزحة نفوذها المتصاعد داخل العراق.
إن توجيه سلاح الشخصنة لشخصية مثل رغد صدام حسين, أشبه بتوجيه صاروخ عابر للقارات لقتل ناموسة أو بعوضة, ولا أعني بهذا التشبيه تحقيرا للسيدة رغد أو تقليلا من شأنها وإنما أود التأكيد على أن الاختيار ليس في محله.
وفي توقعي أن واشنطن سوف تعود وبعد التشاور مع إسرائيل إلى انتقاء شخص آخر لإلباسه ثوب الشيطان. قد يكون الرئيس بشار الأسد أو مقتدى الصدر أو حسن نصر الله أو شافيز في فنزويلا, ولكن المحنة الحقيقية ستظل تطارد المالكي الذي استخدم كمخلب قط تنفيذي فيما يظن أنه يحكم ويخطط ويشرع ويرسم مستقبلا لوطن كليم وشعب حزين طال ابتلاؤه.