(المعدلات العالية والشهادات العليا تحملك أم تحملها)
غداً (إن شاء الله) يبدأ العام الدراسي الجديد لجميع المراحل التعليمية. أسأل الله العلي القدير أن يكون عام نجاح وفلاح وتوفيق، وأن يسهله وييسره على الجميع (أسرة وطالب ومعلم).
يجب أن نبدأ العام الدراسي بفرح وسرور وبهجة ونشاط, والعمل بجد وإخلاص بعد فترة استرخاء طويلة, خصوصاً أن هذا العام يبدأ بشهر الرحمة والغفران (رمضان المبارك). وبهذه المناسبة أبارك للجميع العام الدراسي الجديد وشهر رمضان المبارك.
يجب أن ننمي في الطالب المهارات والمعارف المختلفة, وإعطائه المعلومة الصحيحة، بدلاً من البحث عن المعدلات العالية والشهادات ذات الأسماء البراقة، لأنها أصبحت (في الغالب) لا تخدم أصحابها.
نحن في عصر التقنية وعصر المعارف المختلفة، حيث إن أصحاب العمل لا يهتمون بالشهادة والمعدلات العالية بقدر ما يهتمون بالكفاءة quality العالية والخبرات والمهارات التي يملكها الشخص، أي أن الاحترام والتقدير يأتي من واقع المهارات والمعلومات التي نملكها.
كان للمثقف في عالمنا العربي (قبل عدة عقود) احترام خاص ومكانةً اجتماعية مميزة، وبعد انتشار الفضائيات والإنترنت تراجعت تلك المكانة، لأنه لم يعد المصدر الوحيد للمعلومة الموثقة. كذلك الشهادات العليا والمعدلات العالية كان لها تقدير واحترام وهيبة في المجتمع، ولكن بعد أن أصبح بالإمكان الحصول على الدكتوراه عن طريق المراسلة أو الإنترنت قلّت قيمتها، وبعد أن أصبح المعدّل 95 في المائة لا يؤهل صاحبه للتخصصات المتميزة, قلّت قيمة المعدلات العالية.
إذاً ما الحل؟
بفضلا ًمن الله ثم بفضل السياسات الحكيمة التي تتبعها حكومة هذه البلاد، خصوصاً في المجالات التعليمية والوظيفية، أصبحت الكفاءة العالية للشخص، إضافة إلى ما لديه من خبرات ومهارات مختلفة هي المحك الرئيسي. فلن تعادل الشهادات إلا عندما تنطبق عليها شروط خاصة تضمن توثيقها وصحتها ومطابقتها لقوانين التعليم العالي في هذه البلاد المباركة. وللحصول على وظيفة, لا يكتفى بالمعدلات العالية، إذ إن على المتقدم للوظيفة المرور بمراحل عدة قبل حصوله عليها، حيث إن المعدلات العالية (أحياناً) لا تعكس المستوى الحقيقي للشخص، ولي تجارب كثيرة تثبت صدق ما أقول.
التجربة الأولى
هناك عدد من الطلبة الذين معدلاتهم تصل إلى 97 في المائة، لم يستطيعوا المواصلة في التخصصات التي قبلوا فيها. بينما هناك آخرون معدلاتهم تقل عن 87 في المائة، قبلوا في كليات لا تتوافق مع رغباتهم، ولكنهم واصلوا الدراسة ورفعوا معدلاتهم وانتقلوا إلى الكليات التي يرغبون الدراسة فيها.
ولكن بفضل الله ثم بفضل المجهودات التي بذلها كثير من الزملاء (أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك سعود)، أصبح امتحان قياس القدرات جزءا من العملية التعليمية, والذي أسهم (إلى حد كبير) في قياس القدرات الحقيقة للطالب والحد من المعدلات التي تُعطى جزافا ولا تعكس المستوى الحقيقي للطالب.
هناك طلبة حصلوا على درجات أعلى من 95 في المائة ولكنهم أخفقوا في القياس. بينما آخرون معدلاتهم تزيد أو تنقص عن 85 في المائة ولكنهم حصلوا على درجات عالية جداً في امتحان القدرات تصل إلى 82 في المائة. وهذه الطريقة تعكس (إلى حد ما) المستوى الحقيقي للطالب.
التجربة الثانية
أعلنت جامعة الملك سعود عن عدد من الوظائف، تقدم لها أكثر من ألفي (2000) شخص، جميعهم قدموا امتحانات تحريرية وعملية، وكان التصحيح عن طريق الكمبيوتر. عملية نزيهة 100 في المائة. فلم يحصل على علامة النجاح (60 في المائة ) إلا أقل من الثلث. ومن ثم تمت المقابلات، وكان لي شرف المشاركة، إذ إني قابلت أكثر من مائة شخص واستغرقت المقابلة أكثر من عشرين (20) ساعة.
هنا تكمن المفاجأة
من ضمن من تمت مقابلته أشخاص حصلوا على معدلات امتياز مع درجة الشرف الأولى, ولكنهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بجملة مفيدة باللغة الإنجليزية. وعلى النقيض هناك من كان معدله (جيد) ولكنه متميز في العمل ولديه خبرات جيدة، ويجيد التحدث باللغتين العربية والإنجليزية. ويعلم الله أننا اخترنا لبعض الوظائف التقنية أناس معدلاتهم الجامعية (جيد) ولم يتم اختيار المعدلات العالية، وذلك أن المعدل أصبح اسماً بلا مضمون.
البقاء للأصلح
يجب أن نبحث عن الجوهر والمعلومة. ولكن هناك من عنده اعتقاد أن الشهادة سوف ترفعه, خصوصا عندما يحمل حرف الدال. أقول يجب أن تتشرف الشهادة بك، بدلاً من أن تتشرف أنت بها. لأنها سوف تجلب لك التعب عندما تحملها ولا تحملك، لأنها جعلتك المطية والخادم .. يجب أن يكون العكس لكي تسعد كثيراً.